للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ صِفَةِ سَوْطِ الْجَلْدِ وَكَيْفَ يُجْلَدُ مَنْ بِهِ مَرَضٌ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ

ــ

[نيل الأوطار]

أَنْ يَحُدَّ بِهِ. قَوْلُهُ: (أَحْسِنْ إلَيْهَا) إنَّمَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ سَائِرَ قَرَابَتِهَا رُبَّمَا حَمَلَتْهُمْ الْغَيْرَةُ وَحَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى أَنْ يَفْعَلُوا بِهَا مَا يُؤْذِيهَا فَأَمَرَهُ بِالْإِحْسَانِ تَحْذِيرًا مِنْ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (فَشُدَّتْ) فِي رِوَايَةٍ: " فَشُكَّتْ " وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَالْغَرَضُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا تَنْكَشِفَ عِنْدَ وُقُوعِ الرَّجْمِ عَلَيْهَا لِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الِاضْطِرَابِ عِنْدَ نُزُولِ الْمَوْتِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِمَا يَبْدُو مِنْ الْإِنْسَانِ، وَلِهَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تُرْجَمُ قَاعِدَةً وَالرَّجُلُ قَائِمًا لِمَا فِي ظُهُورِ عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ الشَّنَاعَةِ، وَقَدْ زَعَمَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تُرْجَمُ قَاعِدَةً وَلَيْسَ فِي الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى السَّتْرِ، وَلَمْ يُحْكَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ إلَّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْهَادَوِيَّةِ. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُحَدُّ قَائِمَةً، وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ الرَّجُلَ يُحَدُّ قَاعِدًا.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا) قَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ. قَوْلُهُ: (لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ. . . إلَخْ) فِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ " لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ " وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَدْ وَقَعَ جَمِيعُهُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحُدُودَ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْحَنَفِيَّةُ وَالْهَادِي. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إلَى سُقُوطِهَا بِهَا، وَمِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِقِصَّةِ الْغَامِدِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ تَأْخِيرُ الْحَدِّ عَنْ الْحَامِلِ حَتَّى تَضَعَ ثُمَّ حَتَّى تُرْضِعَ وَتَفْطِمَ، وَعِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ أَنَّهَا لَا تُؤَخَّرُ إلَى الْفِطَامِ إلَّا إذَا عُدِمَ مِثْلُهَا لِلرَّضَاعِ وَالْحَضَانَةِ، فَإِنْ وُجِدَ مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ لَمْ تُؤَخَّرْ، وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (اُتْرُكْهَا حَتَّى تَمَاثَلَ) بِالْمُثَلَّثَةِ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: تَمَاثَلَ الْعَلِيلُ: قَارَبَ الْبُرْءَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد: " حَتَّى يَنْقَطِعَ عَنْهَا الدَّمُ " وَسَيَأْتِي فِي بَابِ حَدِّ الرَّقِيقِ بِلَفْظِ: " إذَا تَعَالَتْ مِنْ نِفَاسِهَا فَاجْلِدْهَا " وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ يُمْهَلُ حَتَّى يَبْرَأَ أَوْ يُقَارِبَ الْبُرْءَ.

وَقَدْ حُكِيَ فِي الْبَحْرِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ يُمْهَلُ الْبِكْرُ حَتَّى تَزُولَ شِدَّةُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْمَرَضِ الْمَرْجُوِّ، فَإِنْ كَانَ مَأْيُوسًا فَقَالَ الْهَادِي وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إنَّهُ يُضْرَبُ بِعُثْكُولٍ إنْ احْتَمَلَهُ. وَقَالَ النَّاصِرُ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ: لَا يُحَدُّ فِي مَرَضِهِ وَإِنْ كَانَ مَأْيُوسًا وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ الْآتِي قَرِيبًا. وَالْمَرْجُومُ إذَا كَانَ مَرِيضًا أَوْ نَحْوَهُ فَذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَمَالِكٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُمْهَلُ لِمَرَضٍ وَلَا لِغَيْرِهِ إذْ الْقَصْدُ إتْلَافُهُ. وَقَالَ الْمَرْوَزِيِّ: يُؤَخَّرُ لِشِدَّةِ الْحَرِّ أَوْ الْبَرْدِ أَوْ الْمَرَضِ، سَوَاءٌ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ، وَقَالَ الْإسْفَرايِينِيّ يُؤَخَّرُ لِلْمَرَضِ فَقَطْ وَفِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ أَوْجُهٌ: يُرْجَمُ فِي الْحَالِ، أَوْ حَيْثُ يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ لَا الْإِقْرَارِ أَوْ الْعَكْسِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>