. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي عُقُوبَةِ الْفَاعِلِ لِلِّوَاطِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَأَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ لِلْأَحَادِيثِ الْمُتَوَاتِرَةِ فِي تَحْرِيمِهِ وَلَعْنِ فَاعِلِهِ فَذَهَبَ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ إلَى أَنَّ حَدَّهُ الْقَتْلُ وَلَوْ كَانَ بِكْرًا سَوَاءٌ كَانَ فَاعِلًا أَوْ مَفْعُولًا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالنَّاصِرُ وَالْقَاسِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ.
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ بِمَجْمُوعِهِ يَنْتَهِضُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ.
وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ قَتْلِ اللُّوطِيِّ فَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ ثُمَّ يُحَرَّقُ لِعِظَمِ الْمَعْصِيَةِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ. وَذَهَبَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ إلَى أَنَّهُ يُلْقَى عَلَيْهِ حَائِطٌ، وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى أَنَّهُ يُلْقَى مِنْ أَعْلَى بِنَاءٍ فِي الْبَلَدِ. وَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الشِّفَاءِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى الْقَتْلِ. وَقَدْ حَكَى الْبَغَوِيّ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَنَّهُ يُرْجَمُ. وَحَكَى ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، وَرُوِيَ عَنْ النَّخَعِيّ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ كَانَ يَسْتَقِيمُ أَنْ يُرْجَمَ الزَّانِي مَرَّتَيْنِ لَرُجِمَ اللُّوطِيُّ، وَقَالَ الْمُنْذِرِيَّ: حَرَّقَ اللُّوطِيَّةَ بِالنَّارِ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَهِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ.
وَذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو طَالِبٍ وَالْإِمَامُ يَحْيَى وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ لَهُ إلَى أَنَّ حَدَّ اللُّوطِيِّ حَدُّ الزَّانِي فَيُجْلَدُ الْبِكْرُ وَيُغَرَّبُ وَيُرْجَمُ الْمُحْصَنُ. وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، وَرَوَى عَنْهُ الْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ الْقَتْلَ مُطْلَقًا كَمَا سَلَفَ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ التَّلَوُّطَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ إيلَاجُ فَرْجٍ فِي فَرْجٍ فَيَكُونُ اللَّائِطُ وَالْمَلُوطُ بِهِ دَاخِلَيْنِ تَحْتَ عُمُومِ الْأَدِلَّةِ الْوَارِدَةِ فِي الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَالْبِكْرِ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ حَدِيثُ " إذَا أَتَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَهُمَا زَانِيَانِ " وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَعَلَى فَرْضِ عَدَمِ شُمُولِ الْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ لَهُمَا فَهُمَا لَاحِقَانِ بِالزَّانِي بِالْقِيَاسِ. وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الْوَارِدَةَ بِقَتْلِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ مُطْلَقًا مُخَصِّصَةٌ لِعُمُومِ أَدِلَّةِ الزِّنَا الْفَارِقَةِ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ عَلَى فَرْضِ شُمُولِهَا لِلُّوطِيِّ وَمُبْطِلَةٌ لِلْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ عَلَى فَرْضِ عَدَمِ الشُّمُولِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فَاسِدَ الِاعْتِبَارِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، وَمَا أَحَقَّ مُرْتَكِبَ هَذِهِ الْجَرِيمَةِ وَمُقَارِفَ هَذِهِ الرَّذِيلَةِ الذَّمِيمَةِ بِأَنْ يُعَاقَبَ عُقُوبَةً يَصِيرُ بِهَا عِبْرَةً لِلْمُعْتَبِرِينَ وَيُعَذَّبَ تَعْذِيبًا يَكْسِرُ شَهْوَةَ الْفَسَقَةِ الْمُتَمَرِّدِينَ، فَحَقِيقٌ بِمَنْ أَتَى بِفَاحِشَةِ قَوْمٍ مَا سَبَقَهُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ أَنْ يَصْلَى مِنْ الْعُقُوبَةِ بِمَا يَكُونُ فِي الشِّدَّةِ وَالشَّنَاعَةِ مُشَابِهًا لِعُقُوبَتِهِمْ.
وَقَدْ خَسَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمْ وَاسْتَأْصَلَ بِذَلِكَ الْعَذَابِ بِكْرَهُمْ وَثَيِّبَهُمْ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ لَهُ وَالْمُرْتَضَى وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ إلَى أَنَّهُ يُعَزَّرُ اللُّوطِيُّ فَقَطْ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْمَذْهَبِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ لِلْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي خُصُوصِ اللُّوطِيِّ وَالْأَدِلَّةِ الْوَارِدَةِ فِي الزَّانِي عَلَى الْعُمُومِ. وَإِنَّمَا الِاسْتِدْلَال لِهَذَا بِحَدِيثِ «لَأَنْ أُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ أُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ» فَمَرْدُودٌ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مَعَ الِالْتِبَاسِ وَالنِّزَاعِ لَيْسَ هُوَ فِي ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute