للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ اعْتِبَارِ الْحِرْزِ وَالْقَطْعِ فِيمَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ

ــ

[نيل الأوطار]

وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ فِي تَقْدِيرِ ثَمَنِ الْمِجَنِّ أَرْجَحُ مِنْ الرِّوَايَاتِ الْأُولَى وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ وَأَصَحَّ وَلَكِنَّ هَذِهِ أَحْوَطُ، وَالْحُدُودُ تُدْفَعُ بِالشُّبُهَاتِ، فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كَأَنَّهَا شُبْهَةٌ فِي الْعَمَلِ بِمَا دُونَهَا.

وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ قَالَ: وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ مَعَ جَلَالَتِهِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الرِّوَايَاتِ الْمَرْوِيَّةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي إسْنَادِهَا جَمِيعًا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَقَدْ عَنْعَنَ، وَلَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ إذَا جَاءَ بِالْحَدِيثِ مُعَنْعَنًا فَلَا يَصْلُحُ لِمُعَارَضَةِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ، وَقَدْ تَعَسَّفَ الطَّحَاوِيُّ فَزَعَمَ أَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ مُضْطَرِبٌ ثُمَّ بَيَّنَ الِاضْطِرَابَ بِمَا يُفِيدُ بُطْلَانَ قَوْلِهِ، وَقَدْ اسْتَوْفَى صَاحِبُ الْفَتْحِ الرَّدَّ عَلَيْهِ. وَأَيْضًا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حُجَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَلَوْ سَلَّمْنَا صَلَاحِيَّةَ رِوَايَاتِ تَقْدِيرِ ثَمَنِ الْمِجَنِّ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ لِمُعَارَضَةِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُفِيدًا لِلْمَطْلُوبِ، أَعْنِي عَدَمَ ثُبُوتِ الْقَطْعِ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ لِمَا فِي الْبَابِ مِنْ إثْبَاتِ الْقَطْعِ فِي رُبُعِ الدِّينَارِ وَهُوَ دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، فَيُرْجَعُ إلَى هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَيَتَعَيَّنُ طَرْحُ الرِّوَايَاتِ الْمُتَعَارِضَةِ فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ، وَبِهَذَا يَلُوحُ لَك عَدَمُ صِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بِرِوَايَةِ الْعَشَرَةِ الدَّرَاهِمِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ عَلَى سُقُوطِ الْقَطْعِ فِيمَا دُونَهَا وَجَعْلِهَا شُبْهَةً، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ لِمَا سَلَفَ.

وَقَدْ أَسْلَفْنَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ قَطَعُوا فِي رُبُعِ دِينَارٍ وَفِي ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ. الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: نَقَلَهُ عِيَاضٌ عَنْ النَّخَعِيّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ أَوْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَهَذَا قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فِيمَا أَعْلَمُ. الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ يُقْطَعُ فِي دِرْهَمَيْنِ. وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ وَلَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْمَرْفُوعِ. وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَنَسٍ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَطَعَ فِي شَيْءٍ مَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ. وَفِي لَفْظٍ: لَا يُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ. الْمَذْهَبُ الْخَامِسُ: أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ، نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ، وَكَذَلِكَ حَكَاهُ عَنْهُمَا فِي الْبَحْرِ، وَنَقَلَهُ عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا سَلَفَ.

الْمَذْهَبُ السَّادِسُ: ثُلُثُ دِينَارٍ، رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْبَاقِرِ. الْمَذْهَبُ السَّابِعُ: خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، حَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ النَّاصِرِ وَالنَّخَعِيِّ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ بِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَا تُقْطَعُ الْخَمْسُ إلَّا فِي خَمْسٍ. الْمَذْهَبُ الثَّامِنُ: دِينَارٌ أَوْ مَا بَلَغَ قِيمَتَهُ، رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ النَّخَعِيّ، وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ طَائِفَةٍ. الْمَذْهَبُ التَّاسِعُ: رُبُعُ دِينَارٍ مِنْ الذَّهَبِ وَمِنْ غَيْرِهِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ وَنَقَلَ نَحْوَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.

وَاسْتَدَلَّ ابْنُ حَزْمٍ بِأَنَّ التَّحْدِيدَ فِي الذَّهَبِ مَنْصُوصٌ وَلَمْ يُوجَدْ نَصٌّ فِي غَيْرِهِ فَيَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ عُمُومِ الْآيَةِ. وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِرِوَايَةِ النَّسَائِيّ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ بِلَفْظِ: «لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِيمَا دُونَ ثَمَنِ الْمِجَنِّ» وَيُمْكِنُ أَيْضًا الْجَوَابُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اقْطَعُوا فِي رُبُعِ دِينَارٍ وَلَا تَقْطَعُوا فِيمَا دُونَ ذَلِكَ» كَمَا فِي الْبَابِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>