للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كِتَابُ حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ

ــ

[نيل الأوطار]

الْوَلِيدِ. وَاخْتُلِفَ فِي صُحْبَةِ بُسْرٍ الْمَذْكُورِ وَهُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا رَاءٌ قُرَشِيٌّ عَامِرِيٌّ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقِيلَ: لَهُ صُحْبَةٌ، وَقِيلَ: لَا صُحْبَةَ لَهُ وَإِنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَهُ أَخْبَارٌ مَشْهُورَةٌ، وَكَانَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ لَا يُحْسِنُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُ لَا صُحْبَةَ لَهُ. وَنَقَلَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا صُحْبَةَ لَهُ وَأَنَّهُ رَجُلُ سُوءٍ. وُلِّيَ الْيَمَنَ وَلَهُ بِهَا آثَارٌ قَبِيحَةٌ انْتَهَى. وَنَقَلَ عَبْدُ الْغَنِيِّ أَنَّ حَدِيثَهُ فِي الدُّعَاءِ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِهِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ غَمَزَهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَلَا يَرْتَابُ مُنْصِفٌ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلرِّوَايَةِ. وَقَدْ فَعَلَ فِي الْإِسْلَامِ أَفَاعِيلَ لَا تَصْدُرُ عَمَّنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إيمَانٍ كَمَا تَضَمَّنَتْ ذَلِكَ كُتُبُ التَّارِيخِ الْمُعْتَبَرَةِ فَثُبُوتُ صُحْبَتِهِ لَا يَرْفَعُ الْقَدْحَ عَنْهُ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْهَبُ الرَّاجِحُ، بَلْ هُوَ إجْمَاعٌ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ كَمَا حَقَقْنَا ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَحَقَّقَهُ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْوَزِيرُ فِي تَنْقِيحِهِ، وَلَكِنْ إذَا كَانَ الْمَنَاطُ فِي قَبُولِ الرِّوَايَةِ هُوَ تَحَرِّيَ الصِّدْقِ وَعَدَمِ الْكَذِبِ فَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ الْقَدْحِ فِي الْعَدَالَةِ وَعَدَمِ قَبُولِ الرِّوَايَةِ، وَهَذَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْكُفْرَ وَالْفِسْقَ مَظِنَّةُ تُهْمَةٍ لَا مَنْ قَالَ: إنَّهُمَا سَلْبُ أَهْلِيَّةٍ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ.

وَحَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَخْرَجَ أَوَّلَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْكَبِيرِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: وَأَسَانِيدُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ ثِقَاتٌ، يَشْهَدُ لِصِحَّتِهِ عُمُومَاتُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِطْلَاقَاتُهُمَا لِعَدَمِ الْفَرْقِ فِيهَا بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَالْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ، وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ لِأَنَّ حَدِيثَ بُسْرٍ أَخَصُّ مُطْلَقًا مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ، فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ، وَبَيَانُهُ أَنَّ السَّفَرَ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ الْغَزْوِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ بُسْرٍ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ قَدْ يَكُونُ غَازِيًا وَقَدْ لَا يَكُونُ، وَأَيْضًا حَدِيثُ بُسْرٍ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ، وَحَدِيثُ عُبَادَةَ فِي عُمُومِ الْحَدِّ. وَقَوْلُهُ: " فَجَلَدَهُ " فِيهِ إجْمَالٌ لِعَدَمِ ذِكْرِ عَدَدِ الْجَلْدِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَمْرَ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ كَسَائِرِ التَّعْزِيرَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>