للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَكَانَ أَمِيرَ الشَّامِ إذْ ذَاكَ، وَكَانَ عَلِيٌّ أَرْسَلَ إلَيْهِ أَنْ يُبَايِعَ لَهُ أَهْلَ الشَّامِ، فَاعْتَلَّ بِأَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُومًا وَأَنَّهَا تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَى الِاقْتِصَاصِ مِنْ قَتَلَتِهِ وَأَنَّهُ أَقْوَى النَّاسِ عَلَى الطَّلَبِ بِذَلِكَ وَالْتَمَسَ مِنْ عَلِيٍّ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْهُمْ ثُمَّ يُبَايِعَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَعَلِيٌّ يَقُولُ: اُدْخُلْ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ وَحَاكِمْهُمْ إلَيَّ أَحْكُمْ فِيهِمْ بِالْحَقِّ.

فَلَمَّا طَالَ الْأَمْرُ خَرَجَ عَلِيٌّ فِي أَهْلِ الْعِرَاقِ طَالِبًا قِتَالَ أَهْلِ الشَّامِ فَخَرَجَ مُعَاوِيَةُ فِي أَهْلِ الشَّامِ قَاصِدًا لِقِتَالِهِ، فَالْتَقَيَا بِصِفِّينَ، فَدَامَتْ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ أَشْهُرًا وَكَادَ مُعَاوِيَةُ وَأَهْلُ الشَّامِ أَنْ يَنْكَسِرُوا فَرَفَعُوا الْمَصَاحِفَ عَلَى الرِّمَاحِ وَنَادَوْا: نَدْعُوكُمْ إلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَانَ ذَلِكَ بِإِشَارَةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ مَعَ مُعَاوِيَةَ، فَتَرَكَ الْقِتَالَ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَ عَلِيٍّ، خُصُوصًا الْقُرَّاءُ بِسَبَبِ ذَلِكَ تَدَيُّنًا. وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} [آل عمران: ٢٣] الْآيَةَ، فَرَاسَلُوا أَهْلَ الشَّامِ فِي ذَلِكَ، فَقَالُوا: ابْعَثُوا حَكَمًا مِنْكُمْ، وَحَكَمًا مِنَّا، وَيَحْضُرُ مَعَهُمَا مَنْ لَمْ يُبَاشِرْ الْقِتَالَ، فَمَنْ رَأَوْا الْحَقَّ مَعَهُ أَطَاعُوهُ، فَأَجَابَ عَلِيٌّ وَمَنْ مَعَهُ إلَى ذَلِكَ، وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ الطَّائِفَةُ الَّتِي صَارَتْ خَوَارِجَ وَفَارَقُوا عَلِيًّا، وَهُمْ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ.

وَقِيلَ: كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ، وَقِيلَ سِتَّةُ آلَافٍ، وَنَزَلُوا مَكَانًا يُقَالُ لَهُ حَرُورَاءُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَرَاءَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ الْأُولَى مَضْمُومَةٌ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ لَهُمْ: الْحَرُورِيَّةُ وَكَانَ كَبِيرَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْكَوَّاءِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ مَعَ الْمَدِّ الْيَشْكُرِيَّ، وَشَبَثُ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ التَّمِيمِيَّ، فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَلِيٌّ ابْنَ عَبَّاسٍ فَنَاظَرَهُمْ فَرَجَعَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مَعَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إلَيْهِمْ عَلِيٌّ فَأَطَاعُوهُ وَدَخَلُوا مَعَهُ الْكُوفَةَ وَمَعَهُمْ رَئِيسَاهُمْ الْمَذْكُورَانِ، ثُمَّ أَشَاعُوا أَنَّ عَلِيًّا تَابَ مِنْ الْحُكُومَةِ وَلِذَلِكَ رَجَعُوا مَعَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَخَطَبَ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ، فَتَنَادَوْا مِنْ جَانِبِ الْمَسْجِدِ: لَا حُكْمَ إلَّا لِلَّهِ، فَقَالَ: كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ، فَقَالَ لَهُمْ: لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلَاثٌ أَنْ نَمْنَعَكُمْ مِنْ الْمَسَاجِدِ، وَمِنْ رِزْقِكُمْ مِنْ الْفَيْءِ، وَلَا نَبْدَأَكُمْ بِقِتَالٍ مَا لَمْ تُحْدِثُوا فَسَادًا.

وَخَرَجُوا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ إلَى أَنْ اجْتَمَعُوا بِالْمَدَائِنِ، فَرَاسَلَهُمْ عَلِيٌّ فِي الرُّجُوعِ فَأَصَرُّوا عَلَى الِامْتِنَاعِ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْكُفْرِ لِرِضَاهُ بِالتَّحْكِيمِ وَيَتُوبَ، ثُمَّ رَاسَلَهُمْ أَيْضًا فَأَرَادُوا قَتْلَ رَسُولِهِ ثُمَّ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ لَا يَعْتَقِدُ مُعْتَقَدَهُمْ يَكْفُرُ وَيُبَاحُ دَمُهُ وَمَالُهُ وَأَهْلُهُ، وَاسْتَعْرَضُوا النَّاسَ فَقَتَلُوا مَنْ اجْتَازَ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَمَرَّ بِهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابُ بْنِ الْأَرَتِّ وَالِيًا لِعَلِيٍّ عَلَى بَعْضِ تِلْكَ الْبِلَادِ وَمَعَهُ سُرِّيَّتُهُ وَهِيَ حَامِلٌ فَقَتَلُوهُ وَبَقَرُوا بَطْنَ سُرِّيَّتِهِ عَنْ وَلَدٍ، فَبَلَغَ عَلِيًّا فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فِي الْجَيْشِ الَّذِي كَانَ هَيَّأَهُ لِلْخُرُوجِ إلَى الشَّامِ، فَأَوْقَعَ بِهِمْ فِي النَّهْرَوَانُ وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُ إلَّا دُونَ الْعَشَرَةِ، وَلَا قُتِلَ مِمَّنْ مَعَهُ إلَّا نَحْوُ الْعَشَرَةِ، فَهَذَا مُلَخَّصُ أَوَّلِ أَمْرِهِمْ، ثُمَّ انْضَمَّ إلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ مِمَّنْ مَالَ إلَى رَأْيِهِمْ، فَكَانُوا مُخْتَفِينَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ حَتَّى كَانَ مِنْهُمْ ابْنُ مُلْجَمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>