. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا وَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا تَجِدُونَ بَعْدِي رَجُلًا هُوَ أَعْدَلُ عَلَيْكُمْ مِنِّي ". قَوْلُهُ: (فَقَالَ عُمَرُ: أَتَأْذَنُ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ) فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْآخَرِ الْمَذْكُورِ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ " أَحْسَبُهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ " بِالْجَزْمِ، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَأَلَهُ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ بِلَفْظِ: " فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قَالَ: لَا ". قَوْلُهُ: (دَعْهُ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " لَا " وَفِي أُخْرَى " مَا أَنَا بِاَلَّذِي أَقْتُلُ أَصْحَابِي ". قَوْلُهُ: (فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ تَرْكَ الْأَمْرِ بِقَتْلِهِ بِسَبَبِ أَنَّ لَهُ أَصْحَابًا عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي تَرْكَ قَتْلِهِ مَعَ مَا أَظْهَرَهُ مِنْ مُوَاجِهَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا وَاجَهَهُ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِمَصْلَحَةِ التَّأْلِيفِ كَمَا فَهِمَهُ الْبُخَارِيُّ فَإِنَّهُ بَوَّبَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: بَابُ مَنْ تَرَكَ قِتَالَ الْخَوَارِجِ لِلتَّأْلِيفِ وَلِئَلَّا يَنْفِرَ النَّاسُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ وَصَفَهُمْ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الْعِبَادَةِ مِنْ إظْهَارِ الْإِسْلَامِ، فَلَوْ أَذِنَ فِي قَتْلِهِمْ لَكَانَ فِي ذَلِكَ تَنْفِيرٌ عَنْ دُخُولِ غَيْرِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: (يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ) فِي رِوَايَةٍ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ، وَيَحْقِرُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ: أَيْ يَسْتَقِلُّ.
قَوْلُهُ: (لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ وَقَافٍ جَمْعُ تَرْقُوَةٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْقَافِ وَهِيَ الْعَظْمُ الَّذِي بَيْنَ ثُغْرَةِ النَّحْرِ وَالْعَاتِقِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ قِرَاءَتَهُمْ لَا يَرْفَعُهَا اللَّهُ وَلَا يَقْبَلُهَا. وَقِيلَ: لَا يَعْمَلُونَ بِالْقُرْآنِ فَلَا يُثَابُونَ عَلَى قِرَاءَتِهِمْ فَلَا يَحْصُلُ لَهُمْ إلَّا سَرْدُهُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ فِيهِ حَظٌّ إلَّا مُرُورَهُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ لَا يَصِلُ إلَى حُلُوقِهِمْ فَضْلًا عَنْ قُلُوبِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ تَعَقُّلُهُ وَتَدَبُّرُهُ بِوُقُوعِهِ فِي الْقَلْبِ. قَوْلُهُ: (يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. قَوْلُهُ: (يَنْظُرُ إلَى نَصْلِهِ) أَيْ نَصْلِ السَّهْمِ وَهُوَ الْحَدِيدَةُ الْمُرَكَّبَةُ فِيهِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى ذَلِكَ لِيَعْرِفَ هَلْ أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَرَهُ عَلِقَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّمِ وَلَا غَيْرِهِ ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ أَصَابَهُ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ: أَيْ جَاوَزَهُمَا، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ مِنْهُمَا شَيْءٌ بَلْ خَرَجَا بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى رِصَافِهِ) الرِّصَافُ اسْمٌ لِلْعَقِبِ الَّذِي يُلْوَى فَوْقَ الرُّعْظِ مِنْ السَّهْمِ، يُقَالُ: رَصَفَ السَّهْمَ شَدَّ عَلَى رُعْظِهِ عَقِبَهُ كَذَا فِي الْقَامُوسِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى نَضِيِّهِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: هُوَ سَهْمٌ فَسَدَ مِنْ كَثْرَةِ مَا رُمِيَ بِهِ، قَالَ: وَالنَّضِيُّ كَغَنِيٍّ: السَّهْمُ بِلَا نَصْلٍ وَلَا رِيشٍ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى قُذَذِهِ) جَمْعُ قُذَّةٍ بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: وَهِيَ رِيشُ السَّهْمِ وَالْمُرَادُ أَنَّ الرَّامِيَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ هَلْ أَصَابَ أَمْ لَا؟ نَظَرَ إلَى السَّهْمِ وَالنَّصْلِ هَلْ بِهِمَا شَيْءٌ مِنْ الدَّمِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ: إنْ كُنْت أَصَبْت فَإِنَّ بِالنَّضِيِّ أَوْ الرِّيشِ شَيْئًا مِنْ الدَّمِ، فَإِذَا نَظَرَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا عَرَفَ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْ، وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْخَوَارِجِ أَبَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute