. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
إلَى بَعْضِ هَذَا الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ سَرَدَ أَحَادِيثَ الْبَابِ: فِيهِ الرَّدُّ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ حُكْمَهُ إلَّا بِقَصْدِ الْخُرُوجِ مِنْهُ عَالِمًا فَإِنَّهُ مُبْطِلٌ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: «يَقُولُونَ الْحَقَّ وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ وَلَا يَتَعَلَّقُونَ مِنْهُ بِشَيْءٍ» وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُمْ لَمْ يَرْتَكِبُوا اسْتِحْلَالَ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ إلَّا لِخَطَإٍ مِنْهُمْ فِيمَا تَأَوَّلُوهُ مِنْ آيِ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِ الْمُرَادِ مِنْهُ. وَيُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِالْكُفْرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَمْرِ بِقِتَالِهِمْ وَقَتْلِهِمْ مَعَ مَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «إنَّهُ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ، وَفِيهِ: التَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ: يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِتَكْفِيرِهِمْ مَا فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَتَعَلَّقُوا مِنْهُ بِشَيْءٍ كَمَا خَرَجَ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ لِسُرْعَتِهِ وَقُوَّةِ رَامِيهِ بِحَيْثُ لَمْ يَتَعَلَّقْ مِنْ الرَّمِيَّةِ بِشَيْءٍ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: " سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ ". وَحُكِيَ فِي الْفَتْحِ عَنْ صَاحِبِ الشِّفَاءِ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: وَكَذَا نَقْطَعُ بِكُفْرِ مَنْ قَالَ قَوْلًا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى تَضْلِيلِ الْأُمَّةِ أَوْ تَكْفِيرِ الصَّحَابَةِ. وَحَكَاهُ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ عَنْهُ وَأَقَرَّهُ. وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْأُصُولِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ إلَى أَنَّ الْخَوَارِجَ فُسَّاقٌ، وَأَنَّ حُكْمَ الْإِسْلَامِ يَجْرِي عَلَيْهِمْ لِتَلَفُّظِهِمْ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَمُوَاظَبَتِهِمْ عَلَى أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا فَسَقُوا بِتَكْفِيرِ الْمُسْلِمِينَ مُسْتَنِدِينَ إلَى تَأْوِيلٍ فَاسِدٍ، وَجَرَّهُمْ ذَلِكَ إلَى اسْتِبَاحَةِ دِمَاءِ مُخَالِفَيْهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ وَالشِّرْكِ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ: أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْخَوَارِجَ مَعَ ضَلَالَتِهِمْ فِرْقَةٌ مِنْ فِرَقِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَجَازُوا مُنَاكَحَتَهُمْ وَأَكْلَ ذَبَائِحِهِمْ وَأَنَّهُمْ لَا يَكْفُرُونَ مَا دَامُوا مُتَمَسِّكِينَ بِأَصْلِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: كَادَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَنْ تَكُونَ أَشَدَّ إشْكَالًا عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ غَيْرِهَا حَتَّى سَأَلَ الْفَقِيهُ عَبْدُ الْحَقِّ الْإِمَامَ أَبَا الْمَعَالِي عَنْهَا فَاعْتَذَرَ بِأَنَّ إدْخَالَ كَافِرٍ فِي الْمِلَّةِ، وَإِخْرَاجَ مُسْلِمٍ عَنْهَا عَظِيمٌ فِي الدِّينِ. قَالَ: وَقَدْ تَوَقَّفَ الْقَاضِي - أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ قَالَ: وَلَمْ يُصَرِّحْ الْقَوْمُ بِالْكُفْرِ وَإِنَّمَا قَالُوا أَقْوَالًا تُؤَدِّي إلَى الْكُفْرِ.
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالزَّنْدَقَةِ: الَّذِي يَنْبَغِي الِاحْتِرَازُ عَنْ التَّكْفِيرِ مَا وَجَدَ إلَيْهِ سَبِيلًا، فَإِنَّ اسْتِبَاحَةَ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْمُقِرِّينَ بِالتَّوْحِيدِ خَطَأٌ، وَالْخَطَأُ فِي تَرْكِ أَلْفِ كَافِرٍ فِي الْحَيَاةِ أَهْوَنُ مِنْ الْخَطَإِ فِي سَفْكِ دَمِ مُسْلِمٍ وَاحِدٍ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ الْخَوَارِجَ غَيْرُ خَارِجِينَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: وَقَدْ سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ أَهْلِ النَّهْرَوَانُ هَلْ كَفَرُوا فَقَالَ: مِنْ الْكُفْرِ فَرُّوا.
قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا إنْ ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ اطَّلَعَ عَلَى مُعْتَقَدِهِمْ الَّذِي أَوْجَبَ تَكْفِيرَهُمْ عِنْدَ مَنْ كَفَّرَهُمْ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِي الْمُفْهِمِ: وَالْقَوْلُ بِتَكْفِيرِهِمْ أَظْهَرُ فِي الْحَدِيثِ، قَالَ: فَعَلَى الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِهِمْ يُقَاتَلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَتُغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي أَمْوَالِ الْخَوَارِجِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute