للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ الصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الْأَئِمَّةِ وَتَرْكِ قِتَالِهِمْ وَالْكَفِّ عَنْ إقَامَةِ السَّيْفِ

ــ

[نيل الأوطار]

أَهْلَ النَّهْرَوَانُ جَالَ فِي عَسْكَرِهِمْ، فَمَنْ كَانَ يَعْرِفُ شَيْئًا أَخَذَهُ حَتَّى بَقِيَتْ قِدْرٌ ثُمَّ رَأَيْتهَا أُخِذَتْ بَعْدُ.

وَأَثَرُ الزُّهْرِيِّ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ: هَاجَتْ الْفِتْنَةُ الْأُولَى فَأَدْرَكَتْ يَعْنِي الْفِتْنَةَ رِجَالًا ذَوِي عَدَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ شَهِدَ مَعَهُ بَدْرًا وَبَلَغَنَا أَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ هَذَا أَمْرُ الْفِتْنَةِ، لَا يُقَمْ فِيهَا عَلَى رَجُلٍ قَاتَلَ فِي تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ قِصَاصٌ فِيمَنْ قُتِلَ، وَلَا حَدَّ فِي سِبَاءِ امْرَأَةٍ سُبِيَتْ وَلَا يُرَى عَلَيْهَا حَدٌّ وَلَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا مُلَاعَنَةٌ، وَلَا يُرَى أَنْ يَقْذِفَهَا أَحَدٌ إلَّا جُلِدَ الْحَدَّ، وَيُرَى أَنْ تُرَدَّ إلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ بَعْدَ أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّتَهَا مِنْ زَوْجِهَا الْآخَرِ، وَيُرَى أَنْ يَرِثَهَا زَوْجُهَا الْأَوَّلُ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يُذَفَّفُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْمَفْتُوحَةِ بَعْدَهُ فَاءٌ مُشَدَّدَةٌ ثُمَّ فَاءٌ مُخَفَّفَةٌ عَلَى صِيغَةِ الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَهُوَ فِي مَعْنَى يُجْهَزُ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: ذَفَّ عَلَى الْجَرِيحِ ذَفًّا وَذِفَافًا كَكِتَابٍ وَذَفَفًا مُحَرَّكَةً: أَجْهَزَ. وَالِاسْمُ الذَّفَافُ كَسَحَابٍ. قَالَ أَيْضًا فِي مَادَّةِ (ج هـ ز) : وَجَهَزَ عَلَى الْجَرِيحِ كَمَنَعَ، وَأَجْهَزَ: أَثْبَتَ قَتْلَهُ وَأَسْرَعَهُ وَتَمَّمَ عَلَيْهِ، وَمَوْتٌ مُجْهِزٌ وَجَهِيزٌ: سَرِيعٌ انْتَهَى.

وَفِي الْأَثَرِ الْمَذْكُورِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ مَنْ كَانَ مُدْبِرًا مِنْ الْبُغَاةِ، وَكَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ بَلْ يُتْرَكُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُدْبِرُ أَوْ الْجَرِيحُ مِمَّنْ لَهُ فِئَةٌ جَازَ قَتْلُهُ عِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَرْوَزِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ إذْ الْقَصْدُ دَفْعُهُمْ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَقَدْ وَقَعَ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ إطْلَاقِ النَّهْيِ فِي الْحَدِيثِ، وَلَكِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْقَتْلِ إذَا كَانَ لِلْبَاغِي الْمَذْكُورِ فِئَةٌ، قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: ٩] وَالْهَارِبُ وَالْجَرِيحُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمَا ذَلِكَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَيْئَةِ إلَى أَمْرِ اللَّهِ تَرْكُ الصَّوْلَةِ وَالِاسْتِطَالَةِ، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ مِنْ الْهَارِبِ وَالْجَرِيحِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَتْبَعُوا مُوَلِّيًا لَيْسَ بِمُنْحَازٍ إلَى فِئَةٍ، فَقَدْ أُجِيبَ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ بِمَفْهُومِهِ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ مَنْ لَهُ فِئَةٌ وَاتِّبَاعِهِ بِأَنَّ إمَامَةَ عَلِيٍّ قَطْعِيَّةٌ وَإِمَامَةَ غَيْرِهِ ظَنِّيَّةٌ فَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ مُتَّحِدًا بَلْ الْمُتَوَجِّهُ الْوُقُوفُ عَلَى ظَاهِرِ النَّهْيِ الْمَرْفُوعِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْمَقَالُ السَّابِقُ وَلَكِنَّهُ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي دَمٍ الْمُسْلِمِ تَحْرِيمُ سَفْكِهِ وَالْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ فِيهَا الْإِذْنُ بِالْمُقَاتَلَةِ إلَى حُصُولِ تِلْكَ الْغَايَةِ، وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ الْهَرَبُ مِنْ مُقَدِّمَاتِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ مُقَاتَلَةِ الْبُغَاةِ إذَا كَانُوا فِي بُيُوتِهِمْ أَوْ طَلَبُوا مِنَّا الْأَمَانَ لِأَنَّهُمْ إذَا أَغْلَقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَلَيْسُوا بِبُغَاةٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَاتِّصَافُهُمْ بِذَلِكَ الْوَصْفِ شَرْطُ جَوَازِ مُقَاتَلَتِهِمْ كَمَا فِي الْآيَةِ، وَإِذَا طَلَبُوا الْأَمَانَ فَقَدْ فَاءُوا إلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ الْغَايَةُ الَّتِي أَذِنَ اللَّهُ بِالْقِتَالِ إلَى حُصُولِهَا وَقَدْ حَصَلَتْ. قَوْلُهُ: (فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَا يُقَادَ أَحَدٌ) ظَاهِرُهُ وُقُوعُ الْإِجْمَاعِ مِنْهُمْ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>