للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: الْمُرَادُ بِالْمُفَارَقَةِ السَّعْيُ فِي حَلِّ عَقْدِ الْبَيْعَةِ الَّتِي حَصَلَتْ لِذَلِكَ الْأَمِيرِ وَلَوْ بِأَدْنَى شَيْءٍ، فَكَنَّى عَنْهَا بِمِقْدَارِ الشِّبْرِ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي ذَلِكَ يَئُولُ إلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقٍّ. قَوْلُهُ: (فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ".

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أُخْرَى " فَمَاتَ إلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ".

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " فَمِيتَتُهُ مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ " وَفِي أُخْرَى لَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ لَقِيَ اللَّهَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ: «فَمَاتَ عَلَيْهِ إلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: الِاسْتِفْهَامُ هُنَا بِمَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ: أَيْ مَا فَارَقَ الْجَمَاعَةَ أَحَدٌ إلَّا جَرَى لَهُ كَذَا أَوْ حَذَفَ مَا فَهِيَ مُقَدَّرَةٌ أَوْ إلَّا زَائِدَةٌ أَوْ عَاطِفَةٌ عَلَى رَأْيِ الْكُوفِيِّينَ، وَالْمُرَادُ بِالْمِيتَةِ الْجَاهِلِيَّةِ وَهِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ أَنْ يَكُونَ حَالُهُ فِي الْمَوْتِ كَمَوْتِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى ضَلَالٍ وَلَيْسَ لَهُ إمَامٌ مُطَاعٌ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَمُوتَ كَافِرًا بَلْ يَمُوتَ عَاصِيًا.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَمُوتُ مِثْلَ مَوْتِ الْجَاهِلِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَاهِلِيًّا، أَوْ أَنَّ ذَلِكَ وَرَدَ مَوْرِدَ الزَّجْرِ وَالتَّنْفِيرِ فَظَاهِرُهُ غَيْرُ مُرَادٍ، وَيُؤَيِّدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَاهِلِيَّةِ التَّشْبِيهُ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ، وَفِيهِ: «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَكَأَنَّمَا خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ» وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي سَنَدِهِ جُلَيْدُ بْنُ دَعْلَجٍ وَفِيهِ مَقَالٌ، وَقَالَ: مِنْ رَأْسِهِ بَدَلَ مِنْ عُنُقِهِ. قَوْلُهُ: (فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الرَّعِيَّةِ الْوَفَاءُ بِبَيْعَةِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ الْأَوَّلِ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ الْمُبَايَعَةُ لِلْإِمَامِ الْآخَرِ قَبْلَ مَوْتِ الْأَوَّلِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ) أَيْ ادْفَعُوا إلَى الْأُمَرَاءِ حَقَّهُمْ الَّذِي لَهُمْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَقَبْضُهُ، سَوَاءٌ كَانَ يَخْتَصُّ بِهِمْ أَوْ يَعُمُّ، وَذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ فِي الْمَالِ كَالزَّكَاةِ، وَفِي الْأَنْفُسِ كَالْخُرُوجِ إلَى الْجِهَادِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْعُمُومُ فِي الْمُخَاطَبِينَ، وَنَقَلَ ابْنُ التِّينِ عَنْ الدَّاوُدِيّ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْأَنْصَارِ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَوْنِ الْمُخَاطَبِ بِذَلِكَ الْأَنْصَارَ كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُخَاطَبَتِهِمْ بِذَلِكَ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِمْ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُهَاجِرِينَ وَيَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْمُهَاجِرِينَ دُونَ بَعْضٍ، فَالْمُسْتَأْثِرُ مَنْ يَلِي الْأَمْرَ وَمَنْ عَدَاهُ هُوَ الَّذِي يُسْتَأْثَرُ عَلَيْهِ، وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ يَخْتَصُّ بِقُرَيْشٍ وَلَا حَظَّ لِلْأَنْصَارِ فِيهِ خُوطِبَ الْأَنْصَارُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَهُوَ خِطَابٌ لِلْجَمِيعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَا يَلِي الْأَمْرَ وَقَدْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْمِيمِ، فَفِي حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ سَلَمَةَ الْجُعْفِيِّ عَنْ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>