٣٢٠٤ - (وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «سُحِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إنَّهُ لَيُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ، حَتَّى إذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ عِنْدِي دَعَا اللَّهَ وَدَعَا ثُمَّ قَالَ: أَشْعَرْت يَا عَائِشَةُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْته، قُلْت: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: جَاءَنِي رَجُلَانِ فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ الْيَهُودِيُّ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ، قَالَ: فَبِمَاذَا؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، وَجُفِّ طَلْعَةِ ذَكَرٍ، قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ فَذَهَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إلَى الْبِئْرِ فَنَظَرَ إلَيْهَا وَعَلَيْهَا نَخْلٌ ثُمَّ رَجَعَ إلَى عَائِشَةَ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ، وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَأَخْرَجْته؟ قَالَ: لَا أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي اللَّهُ وَشَفَانِي، وَخَشِيت أَنْ أَثُورَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ شَرًّا فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ.» مُتَّفَقٌ
ــ
[نيل الأوطار]
بِاعْتِرَافِ الْجَانِي.
قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَا يُتَصَوَّرُ الْقَتْلُ بِالسِّحْرِ بِالْبَيِّنَةِ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ بِاعْتِرَافِ السَّاحِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ. وَحُكِيَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِتْرَةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ. وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ الْعِتْرَةِ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَلَا تَأْثِيرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: ١٠٢] وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الإستراباذي وَالْمَغْرِبِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ لَهُ حَقِيقَةً وَتَأْثِيرًا إذْ قَدْ يَقْتُلُ السُّمُومُ، وَقَدْ يُغَيِّرُ الْعَقْلَ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْقَوْلِ فَيُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: ٤] أَرَادَ السَّاحِرَاتِ فَلَوْلَا تَأْثِيرُهُ لَمَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ. وَقَدْ يَحْصُلُ بِهِ إبْدَالُ الْحَقَائِقِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ. قُلْنَا: سَمَّاهُ اللَّهُ خَيَالًا وَالْخَيَالُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ فَقَالَ: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: ٦٦] قَالُوا: رَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُحِرَ حَتَّى كَانَ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ» . قُلْنَا: رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ. انْتَهَى كَلَامُ الْبَحْرِ. وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ كَمَا سَيَأْتِي، وَيَأْتِي أَيْضًا أَنَّ مَذْهَبَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ لِلسِّحْرِ تَأْثِيرًا وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ انْتَهَى.
قَوْلُهُ: (عَنْ الزَّمْزَمَةِ) بِزَايَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا مِيمٌ سَاكِنَةٌ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الزَّمْزَمَةُ: الصَّوْتُ الْبَعِيدُ لَهُ دَوِيٌّ، وَتَتَابُعُ صَوْتِ الرَّعْدِ وَهُوَ أَحْسَنُهُ صَوْتًا وَأَثْبَتُهُ مَطَرًا، وَتَرَاطُنُ الْعُلُوجِ عَلَى أَكْلِهِمْ وَهُمْ صُمُوتٌ لَا يَسْتَعْمِلُونَ لِسَانًا وَلَا شَفَةً، لَكِنَّهُ صَوْتٌ تُدِيرُهُ فِي خَيَاشِيمِهَا وَحُلُوقِهَا فَيَفْهَمُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ. قَوْلُهُ: (فَلَمْ يَقْتُلْ مَنْ صَنَعَهُ. . . إلَخْ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَا يُقْتَلُ السَّاحِرُ. وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا، وَأَيْضًا لَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ، لِأَنَّ غَايَتَهُ جَوَازُ التَّرْكِ لَا عَدَمُ جَوَازِ الْفِعْلِ فَيُمْكِنُ الْجَمْعُ عَلَى فَرْضِ عَدَمِ عِلْمِ التَّارِيخِ بِأَنَّ الْقَتْلَ لِلسَّاحِرِ جَائِزٌ لَا وَاجِبٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute