للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

وَحَاصِلُ مَقَالَتِهِمْ أَنَّ النُّورَ وَالظُّلْمَةَ قَدِيمَانِ، وَأَنَّهُمَا امْتَزَجَا فَحَدَثَ الْعَالَمُ كُلُّهُ مِنْهُمَا، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّرِّ فَهُوَ مِنْ الظُّلْمَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ فَهُوَ مِنْ النُّورِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُسْعَى فِي تَخْلِيصِ النُّورِ مِنْ الظُّلْمَةِ فَيَلْزَمُ إزْهَاقُ كُلِّ نَفْسٍ، وَكَانَ بَهْرَامُ جَدُّ كِسْرَى تَحَايَلَ عَلَى مَانِي حَتَّى حَضَرَ عِنْدَهُ وَأَظْهَرَ لَهُ أَنَّهُ قَبِلَ مَقَالَتَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ وَقَتَلَ أَصْحَابَهُ، وَبَقِيَتْ مِنْهُمْ بَقَايَا اتَّبَعُوا مَزْدَكَ الْمَذْكُورَ وَقَامَ الْإِسْلَامُ.

وَالزِّنْدِيقُ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ، وَأَظْهَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْإِسْلَامَ خَشْيَةَ الْقَتْلِ، فَهَذَا أَصْلُ الزَّنْدَقَةِ. وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ الزَّنْدَقَةَ عَلَى مَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيُخْفِي الْكُفْرَ مُطْلَقًا. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ: الزِّنْدِيقُ: الَّذِي لَا يَنْتَحِلُ دِينًا. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الَّذِينَ وَقَعَ لَهُمْ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا وَقَعَ، وَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ) أَيْ لِنَهْيِهِ عَنْ الْقَتْلِ بِالنَّارِ بِقَوْلِهِ: «وَلَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ» وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا سَمِعَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ. وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثًا وَفِيهِ: «وَإِنَّ النَّارَ لَا يُعَذِّبُ بِهَا إلَّا اللَّهُ» ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجِهَادِ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قِصَّةٍ بِلَفْظِ: «وَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ» . قَوْلُهُ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» هَذَا ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ فِي كُلِّ مَنْ وَقَعَ مِنْهُ التَّبْدِيلُ وَلَكِنَّهُ عَامٌّ وَيُخَصُّ مِنْهُ مَنْ بَدَّلَهُ فِي الْبَاطِنِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ تُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الظَّاهِرِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فِي الظَّاهِرِ وَلَكِنْ مَعَ الْإِكْرَاهِ، هَكَذَا فِي الْفَتْحِ. قَالَ فِيهِ: وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى قَتْلِ الْمُرْتَدَّةِ كَالْمُرْتَدِّ، وَخَصَّهُ الْحَنَفِيَّةُ بِالذَّكَرِ وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ.

وَحَمَلَ الْجُمْهُورُ النَّهْيَ عَلَى الْكَافِرَةِ الْأَصْلِيَّةِ إذَا لَمْ تُبَاشِرْ الْقِتَالَ لِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ لَمَّا رَأَى امْرَأَةً مَقْتُولَةً مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ، ثُمَّ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ مَنْ الشَّرْطِيَّةَ لَا تَعُمُّ الْمُؤَنَّثَ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَاوِي الْخَبَرِ وَقَدْ قَالَ بِقَتْلِ الْمُرْتَدَّةِ، وَقَتَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي خِلَافَتِهِ امْرَأَةً ارْتَدَّتْ كَمَا تَقَدَّمَ وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ ذَلِكَ. وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا أَرْسَلَهُ إلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: أَيُّمَا رَجُلٍ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ فَادْعُهُ، فَإِنْ عَادَ وَإِلَّا فَاضْرِبْ عُنُقَهُ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ فَادْعُهَا، فَإِنْ عَادَتْ وَإِلَّا فَاضْرِبْ عُنُقَهَا» . قَالَ الْحَافِظُ: وَسَنَدُهُ حَسَنٌ وَهُوَ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ النِّزَاعِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ. وَيُؤَيِّدُهُ اشْتِرَاكُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا: الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْقَذْفِ وَمِنْ صُوَرِ الزِّنَا رَجْمُ الْمُحْصَنِ حَتَّى يَمُوتَ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُسْتَثْنَى مِنْ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ فَيُسْتَثْنَى قَتْلُ الْمُرْتَدَّةِ مِثْلَهُ.

وَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ مِلَّةٍ مِنْ مِلَلِ الْكُفْرِ إلَى مِلَّةٍ أُخْرَى. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>