للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَاب مَا جَاءَ فِي إخْلَاص النِّيَّة فِي الْجِهَاد وَأَخْذ الْأُجْرَة عَلَيْهِ وَالْإِعَانَة

ــ

[نيل الأوطار]

ضَعْفٌ، وَلَهُ شَوَاهِدُ.

قَوْلُهُ: (نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي تَلِيهَا " وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ") قَالَ الطَّبَرِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ {إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة: ٣٩] خَاصًّا، وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ اسْتَنْفَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَامْتَنَعَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ وَقَدْ وَافَقَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَى دَعْوَى النَّسْخِ عِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ كَمَا رَوَى ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ عَنْهُمَا وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ} [النساء: ٧١] نَاسِخَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: ٤١] وَثُبَاتٍ جَمْعُ ثِبَةٍ وَمَعْنَاهُ جَمَاعَاتٍ مُتَفَرِّقَةً، وَيُؤَيِّدُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَهُ: {أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} [النساء: ٧١] . قَالَ الْحَافِظُ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا نَسْخَ بَلْ الْمَرْجِعُ فِي الْآيَتَيْنِ، يَعْنِي هَذِهِ وقَوْله تَعَالَى: {إِلا تَنْفِرُوا} [التوبة: ٣٩] مَعَ قَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: ١٢٢] إلَى تَعْيِينِ الْإِمَامِ وَإِلَى الْحَاجَةِ.

قَوْلُهُ: (الْخَيْلُ مَعْقُودٌ. . . إلَخْ) الْمُرَادُ بِهَا الْمُتَّخَذَةُ لِلْغَزْوِ بِأَنْ يُقَاتَلَ عَلَيْهَا أَوْ تُرْتَبَطَ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ مَرْفُوعًا: «الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ مَعْقُودٌ أَبَدًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَنْ رَبَطَهَا عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا احْتِسَابًا كَانَ شِبَعُهَا وَجُوعُهَا وَرِيُّهَا وَظَمَؤُهَا وَأَرْوَاثُهَا وَأَبْوَالُهَا فَلَاحًا فِي مَوَازِينِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . قَوْلُهُ: (الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: " الْخَيْرُ " أَوْ هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ هُوَ الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ. وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَة جَرِيرٍ: «فَقَالُوا: لِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ» . قَالَ الطِّيبِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْخَيْرُ الَّذِي فُسِّرَ بِالْأَجْرِ، وَالْمَغْنَمِ: اسْتِعَارَةً لِظُهُورِهِ وَمُلَازَمَتِهِ، وَخَصَّ النَّاصِيَةَ لِرِفْعَةِ قَدْرِهَا فَكَأَنَّهُ شَبَّهَهُ لِظُهُورِهِ بِشَيْءٍ مَحْسُوسٍ مَعْقُودٍ عَلَى مَا كَانَ مُرْتَفِعًا، فَنَسَبَ الْخَيْرَ إلَى لَازِمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَذِكْرُ النَّاصِيَةِ تَجْرِيدٌ لِلِاسْتِعَارَةِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّاصِيَةِ هُنَا الشَّعْرُ الْمُسْتَرْسِلُ عَلَى الْجَبْهَةِ، قَالَهُ الْخَطَّابِيِّ وَغَيْرُهُ.

قَالُوا: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَنَّى بِالنَّاصِيَةِ عَنْ جَمِيعِ ذَاتِ الْفَرَسِ كَمَا يُقَال: فُلَانٌ مُبَارَكُ النَّاصِيَةِ، وَيَبْعُدُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلْوِي نَاصِيَةَ فَرَسِهِ بِأُصْبُعِهِ» وَيَقُولُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ خُصَّتْ بِذَلِكَ لِكَوْنِهَا الْمُقَدَّمَ مِنْهَا؛ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْفَضْلَ فِي الْإِقْدَامِ بِهَا عَلَى الْعَدُوِّ دُونَ الْمُؤَخَّرِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِشَارَةِ إلَى الْإِدْبَارِ. قَوْلُهُ: (وَالْجِهَادُ مَاضٍ. . . إلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِهَادَ لَا يَزَالُ مَا دَامَ الْإِسْلَامُ وَالْمُسْلِمُونَ إلَى ظُهُورِ الدَّجَّالِ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَأَبُو يَعْلَى مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «الْجِهَادُ مَاضٍ مَعَ الْبَرِّ وَالْفَاجِر» وَلَا بَأْسَ بِإِسْنَادِهِ إلَّا أَنَّهُ مِنْ رِوَايَة مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمْ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ» . قَوْلُهُ: (لَا يُبْطِلُهُ جَوْرُ جَائِرٍ وَلَا عَدْلُ عَادِلٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي حُصُولِ فَضِيلَةِ الْجِهَادِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْغَزْوُ مَعَ الْإِمَامِ الْعَادِلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>