للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَاب لُزُوم طَاعَة الْجَيْش لِأَمِيرِهِمْ مَا لَمْ يَأْمُر بِمَعْصِيَةٍ

ــ

[نيل الأوطار]

وَذَاكَ؟ قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ فَقُلْنَا لَهُ: مَا كُنْتَ تَصْنَعُ بِكَلَامِ هَذَا السَّفِيهِ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ؟ فَقَالَ: إنَّهُ كَانَ عِنْدِي عِلْمٌ فَأَحْبَبْتُ أَنْ لَا أَمُوتَ حَتَّى أَقُولَ بِهِ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ، ثُمَّ قَامَ فَمَا لَبِثَ أَنْ مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَأَتَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ يَعُودُهُ، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْقِصَّةُ وَقَعَتْ لِلصَّحَابِيَّيْنِ. قَوْلُهُ: (مَا مِنْ أَمِيرٍ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ ".

قَوْلُهُ: (ثُمَّ لَا يَجْتَهِدُ) فِي رِوَايَةِ أَبِي الْمَلِيحِ " ثُمَّ لَا يَجِدُّ لَهُ " بِجِيمٍ وَدَالٍ مُشَدَّدَةٍ مِنْ الْجِدِّ بِالْكَسْرِ وَدَالٍ، ضِدُّ الْهَزْلِ. قَوْلُهُ: (يَلِي) قَالَ ابْنُ التِّينِ: يَلِي جَاءَ عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ مَاضِيَهُ وَلِيَ بِالْكَسْرِ، فَمُسْتَقْبَلُهُ يُولَى بِالْفَتْحِ، وَهُوَ مِثْلُ وَرِثَ يَرِثُ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ عَلَى أَئِمَّةِ الْجَوْرِ، فَمَنْ ضَيَّعَ مَنْ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ أَوْ خَانَهُمْ أَوْ ظَلَمَهُمْ فَقَدْ تَوَجَّهَ إلَيْهِ الطَّلَبُ بِمَظَالِمِ الْعِبَادِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَكَيْفَ يَقْدِرُ عَلَى التَّحَلُّلِ مِنْ ظُلْمِ أُمَّةٍ عَظِيمَةٍ؟ وَمَعْنَى حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ: أَيْ أَنْفَذَ عَلَيْهِ الْوَعِيدَ وَلَمْ يُرْضِ عَنْهُ الْمَظْلُومِينَ. وَنَقَلَ ابْنُ التِّينِ عَنْ الدَّاوُدِيّ نَحْوَهُ. قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي حَقِّ الْكَافِرِ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نُصْحِهِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ جِدًّا، وَالتَّعْلِيلُ مَرْدُودٌ، وَالْكَافِرُ أَيْضًا قَدْ يَكُونُ نَاصِحًا فِيمَا تَوَلَّاهُ وَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ الْكُفْرُ. انْتَهَى.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ النُّصْحَ مِنْ الْكَافِرِ لَا حُكْمَ لَهُ لِعَدَمِ كَوْنِهِ مُثَابًا عَلَيْهِ. وَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْوَاقِعَ فِي الْحَدِيثِ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَهِيَ تَعُمُّ الْكَافِرَ وَالْمُسْلِمَ فَلَا يُقْبَلُ التَّخْصِيصُ إلَّا بِدَلِيلٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُحْمَلُ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ. قَالَ الْحَافِظُ: وَالْأَوْلَى أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَحِلِّ، وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ الزَّجْرُ وَالتَّغْلِيظُ. قَالَ: وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ بِلَفْظِ: «لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ الْجَنَّةَ» وَهُوَ يُؤَيِّدُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ انْتَهَى. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الزَّجْرِ وَالتَّغْلِيظِ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا لِدَلِيلٍ. وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الدُّخُولِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِأَنَّ النَّفْيَ فِيهَا مُطْلَقٌ، وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُؤَكَّدٍ كَمَا فِي النَّفْيِ بِلَنْ. قَالَ الطِّيبِيُّ: إنَّ قَوْلَهُ: وَهُوَ غَاشٌّ، قَيْدٌ لِلْفِعْلِ مَقْصُودٌ بِالذِّكْرِ يُرِيدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا وَلَّاهُ عَلَى عِبَادِهِ لِيُدِيمَ لَهُمْ النَّصِيحَةَ لَا لِيَغُشَّهُمْ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى ذَلِكَ، فَمَنْ قَلَبَ الْقَضِيَّةَ اسْتَحَقَّ أَنْ يُعَاقَبَ.

قَوْلُهُ: (فَيُزْجِي الضَّعِيفَ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الزَّايِ بَعْدَهَا جِيمٌ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: زَجَاهُ: سَاقَهُ وَدَفَعَهُ كَزَجَّاهُ وَأَزْجَاهُ. قَوْلُهُ: (وَيُرْدِفُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الرِّدْفُ بِالْكَسْرِ: الرَّاكِبُ خَلْفَ الرَّاكِبِ. انْتَهَى. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُرْدِفُ خَلْفَهُ مَنْ لَيْسَ لَهُ رَاحِلَةٌ إذَا كَانَ يَضْعُفُ عَنْ الْمَشْيِ، وَهَذَا مِنْ حُسْنِ خُلُقِهِ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَذَكَرَ عِظَمَهُ فَقَالَ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: ٤] ، {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ١٢٨] . قَوْلُهُ: (فَلَا جِهَادَ لَهُ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَضْيِيقُ الطَّرِيقِ الَّتِي يَمُرُّ بِهَا النَّاسُ، وَنَفْيُ

<<  <  ج: ص:  >  >>