بَابُ اسْتِحْبَابِ الْخُيَلَاءِ فِي الْحَرْبِ
ــ
[نيل الأوطار]
قَالَ: وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَفِي إسْنَادِهِ إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَحَدٌ وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ اهـ. وَقَدْ أَخْرَجَ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ قَالَ: «عَبَّأَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَهُوَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرِ فِي قِصَّةِ الْفَتْحِ وَقِصَّةِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: «ثُمَّ مَرَّتْ كَتِيبَةٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهَا، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قِيلَ لَهُ: الْأَنْصَارُ عَلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمَعَهُ الرَّايَةُ وَفِيهِ: وَجَاءَتْ كَتِيبَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَايَتُهُ مَعَ الزُّبَيْرِ» الْحَدِيثُ بِطُولِهِ، وَهُوَ شَاهِدٌ لِحَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ الْمَذْكُورِ.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أَسِيد عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ اصْطَفَفْنَا يَوْمَ بَدْرٍ: إذَا أَكْثَبُوكُمْ، يَعْنِي إذَا غَشُّوكُمْ فَارْمُوهُمْ بِالنَّبْلِ وَاسْتَبِقُوا نَبْلَكُمْ» .
وَحَدِيثُ الْمُهَلَّبِ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ الْمُهَلَّبِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مَوْصُولًا وَقَالَ: صَحِيحٌ قَالَ: وَالرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يُسَمِّهِ الْمُهَلَّبُ هُوَ الْبَرَاءُ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ: " حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ وَالْحَاكِمُ.
وَحَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ وَالْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شِعَارَ الْمُهَاجِرِينَ يَوْمَ بَدْرٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَالْخَزْرَجِ عَبْدَ اللَّهِ» الْحَدِيثُ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ «جَعَلَ الشِّعَارَ لِلْأَزْدِ يَا مَبْرُورُ يَا مَبْرُورُ» .
وَفِي الْبَابِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد قَالَ: «كَانَ شِعَارُ الْمُهَاجِرِينَ عَبْدَ اللَّهِ، وَشِعَارُ الْأَنْصَارِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ» وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ، وَفِي سَمَاعِهِ مِنْهُ خِلَافٌ قَدْ مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَفِي إسْنَادِهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ.
وَحَدِيثُ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ وَأَبِي بُرْدَةَ سَكَتَ عَنْهُمَا أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ وَرِجَالُهُمَا رِجَالُ الصَّحِيحِ.
قَوْلُهُ: (صَفَفْنَا يَوْمَ بَدْرٍ. . . إلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الِاصْطِفَافِ حَالَ الْقِتَالِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّرْهِيبِ عَلَى الْعَدُوِّ وَالتَّقْوِيَةِ لِلْجَيْشِ، وَلِكَوْنِهِ مَحْبُوبًا لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: ٤] . قَوْلُهُ: (أَنْ يُقَاتِلَ تَحْتَ رَايَةِ قَوْمِهِ) إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مَشْرُوعًا لِمَا يَتَكَلَّمُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ إظْهَارِهِ الْقُوَّةَ وَالْجَلَادَةَ إذَا كَانَ بِمَرْأًى مِنْ قَوْمِهِ وَمَسْمَعٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ قَوْمِهِ فَإِنَّهُ لَا يَفْعَلُ كَفِعْلِهِ بَيْنَ قَوْمِهِ لِمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ النُّفُوسُ مِنْ مَحَبَّةِ ظُهُورِ الْمَحَاسِنِ بَيْنَ الْعَشِيرَةِ وَكَرَاهَةِ ظُهُورِ الْمُسَاوِي بَيْنَهُمْ، وَلِهَذَا أَفْرَدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّ قَبِيلَةٍ مِنْ الْقَبَائِلِ الَّتِي غَزَتْ مَعَهُ غَزْوَةَ الْفَتْحِ بِأَمِيرِهَا وَرَايَتِهَا كَمَا يَحْكِي ذَلِكَ كُتُبُ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ.
قَوْلُهُ: (حم لَا يُنْصَرُونَ) هَذَا اللَّفْظُ فِيهِ التَّفَاؤُلُ بِعَدَمِ انْتِصَارِ الْخَصْمِ مَعَ حُصُولِ الْغَرَضِ بِالشِّعَارِ وَهُوَ الْعَلَامَةُ فِي الْحَرْبِ، يُقَالُ: نَادَوْا بِشِعَارِهِمْ أَوْ جَعَلُوا لِأَنْفُسِهِمْ شِعَارًا. وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا