للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ تَحْرِيمِ الْفِرَارِ مِنْ الزَّحْفِ إذَا لَمْ يَزِدْ الْعَدُوُّ عَلَى ضِعْفِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا الْمُتَحَيِّزَ إلَى فِئَةٍ وَإِنْ بَعُدَتْ

ــ

[نيل الأوطار]

تَابَعَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِتَحَمُّسِهِمْ فِي دِينِهِمْ أَوْ لِالْتِجَائِهِمْ بِالْحَمْسَاءِ وَهِيَ الْكَعْبَةُ، لِأَنَّ حَجَرهَا أَبْيَضُ إلَى السَّوَادِ، وَالْحَمَاسَةُ: الشَّجَاعَةُ، وَالْأَحْمَسُ: الشُّجَاعُ كَالْحَمِيسِ كَذَا فِي الْقَامُوسِ.

وَفِي الْفَتْحِ: هُمْ رَهْطٌ يُنْسَبُونَ إلَى أَحْمَسَ بْنِ الْغَوْثِ بْنِ أَنْمَارٍ. قَالَ: وَفِي الْعَرَبِ قَبِيلَةٌ أُخْرَى يُقَالُ لَهَا أَحْمَسُ لَيْسَتْ مُرَادَةً هُنَا يُنْسَبُونَ إلَى أَحْمَسَ بْنِ ضُبَيْعَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ. قَوْلُهُ: (نُصُبٌ) بِضَمِّ النُّونِ وَالصَّادِ أَيْ صَنَمٌ.

قَوْلُهُ: (كَعْبَةُ الْيَمَانِيَةِ) أَيْ كَعْبَةُ الْجِهَةِ الْيَمَانِيَةِ. قَوْلُهُ: (فَبَرَّكَ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ: أَيْ دَعَا لَهُمْ بِالْبَرَكَةِ. قَوْلُهُ: (كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ) بِالْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ نَزْعِ زِينَتِهَا وَإِذْهَابِ بَهْجَتِهَا. وَقَالَ الْحَافِظُ: أَحْسَبُ الْمُرَادَ أَنَّهَا صَارَتْ مِثْلَ الْجَمَلِ الْمَطْلِيِّ بِالْقَطِرَانِ مِنْ جَرَبِهِ، أَشَارَ إلَى أَنَّهَا صَارَتْ سَوْدَاءَ لِمَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ التَّحْرِيقِ.

قَوْلُهُ: (سَرَاةِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ جَمْعُ سَرِيِّ وَهُوَ الرَّئِيسُ. قَوْلُهُ: (بَنِي لُؤَيٍّ) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَهُوَ أَحَدُ أَجْدَادِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَبَنُوهُ قُرَيْشٍ، وَأَرَادَ حَسَّانٌ تَعْيِيرَ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ بِمَا وَقَعَ فِي حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ. قَوْلُهُ: (بِالْبُوَيْرَةِ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ تَصْغِيرُ بَوْرَةٍ وَهِيَ الْحُفْرَةُ، وَهِيَ مَكَانٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَتَيْمَاءَ، وَهِيَ مِنْ جِهَةِ قِبْلَةِ مَسْجِدِ قُبَاءَ إلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ، وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا الْبُوَيْلَةُ بِاللَّامِ بَدَلَ الرَّاءِ. قَوْلُهُ: {مِنْ لِينَةٍ} [الحشر: ٥] قَالَ السُّهَيْلِيُّ: فِي تَخْصِيصِ اللِّينَةِ بِالذِّكْرِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّ الَّذِي يَجُوزُ قَطْعُهُ مِنْ شَجَرِ الْعَدُوِّ هُوَ مَا لَا يَكُونُ مُعَدًّا لِلِاقْتِيَاتِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَاتُونَ الْعَجْوَةَ وَالْبَرْنِيَّ دُونَ اللِّينَةِ، وَكَذَا تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّفْسِيرِ فَقَالَ: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} [الحشر: ٥] : نَخْلَةٌ مَا لَمْ تَكُنْ بَرْنِيَّةَ أَوْ عَجْوَةً. وَقِيلَ

اللِّينَةُ: الدَّقَلُ.

وَفِي مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ: اللِّينَةُ فِعْلَةٌ مِنْ اللَّوْنِ، وَتُجْمَعُ عَلَى أَلْوَانٍ وَقِيلَ مِنْ اللِّينِ وَمَعْنَاهُ النَّخْلَةُ الْكَرِيمَةُ وَجَمْعُهَا لِيَانٌ. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: إنَّهَا الدَّقَلُ مِنْ النَّخْلِ. قَوْلُهُ: (يُقَالُ لَهَا أُبْنَى) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْقَصْرِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ. وَحَكَى أَبُو دَاوُد أَنَّ أَبَا مُسْهِرٍ قِيلَ لَهُ أُبْنَى فَقَالَ: نَحْنُ أَعْلَمُ هِيَ بُبْنَا فِلَسْطِينَ. وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّحْرِيقِ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: ذَهَبَ الْجُمْهُورِ إلَى جَوَازِ التَّحْرِيقِ وَالتَّخْرِيبِ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ، وَكَرِهَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَاحْتَجُّوا بِوَصِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ لِجُيُوشِهِ أَنْ لَا يَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. وَأَجَابَ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَصْدِ لِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَصَابُوا ذَلِكَ فِي حَالِ الْقِتَالِ كَمَا وَقَعَ فِي نَصْبِ الْمَنْجَنِيقِ عَلَى الطَّائِفِ، وَهُوَ نَحْوٌ مِمَّا أَجَابَ بِهِ فِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّمَا نَهَى أَبُو بَكْرٍ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ تِلْكَ الْبِلَادَ تُفْتَحُ فَأَرَادَ بَقَاءَهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ لَا يَصْلُحُ لِمُعَارَضَةِ مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ عَدَمِ حُجِّيَّةِ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>