للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ أَنَّ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخْمُوسٍ

ــ

[نيل الأوطار]

وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَالْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ. انْتَهَى. وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى الْأَسَانِيدِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. وَقَدْ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَوَصَلَهُ النَّسَائِيّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. وَحَسَّنَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ. قَوْلُهُ: (وَبَرَةً) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا رَاءٌ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْوَبَرُ: مُحَرَّكَةٌ صُوفُ الْإِبِلِ وَالْأَرَانِبِ وَنَحْوِهَا، الْجَمْعُ أَوْبَارٌ. قَوْلُهُ: (وَالْمِخْيَطُ) هُوَ مَا يُخَاطُ بِهِ كَالْإِبْرَةِ وَنَحْوِهَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى التَّشْدِيدِ فِي أَمْرِ الْغَنِيمَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَكْتُمَ مِنْهَا شَيْئًا وَإِنْ كَانَ حَقِيرًا، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ التَّشْدِيدِ فِي الْغُلُولِ.

وَأَحَادِيثُ الْبَابِ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ الْإِمَامُ مِنْ الْغَنِيمَةِ إلَّا الْخُمُسَ وَيَقْسِمُ الْبَاقِيَ مِنْهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَالْخُمُسُ الَّذِي يَأْخُذُهُ أَيْضًا لَيْسَ هُوَ لَهُ وَحْدَهُ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى حَسَبِ مَا فَصَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: ٤١] وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً قَسَمَ خُمُسَ الْغَنِيمَةِ، فَضَرَبَ ذَلِكَ الْخُمُسَ فِي خَمْسَةٍ ثُمَّ قَرَأَ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: ٤١] الْآيَةَ، فَجَعَلَ سَهْمَ اللَّهِ وَسَهْمَ رَسُولِهِ وَاحِدًا وَسَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى هُوَ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي الْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ، وَجَعَلَ سَهْمَ الْيَتَامَى وَسَهْمَ الْمَسَاكِينِ وَسَهْمَ ابْنِ السَّبِيلِ لَا يُعْطِيهِ غَيْرَهُمْ، ثُمَّ جَعَلَ الْأَرْبَعَةَ الْأَسْهُمَ الْبَاقِيَةَ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِرَاكِبِهِ سَهْمٌ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ» وَرَوَى أَيْضًا أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ نَحْوَهُ

وَفِي أَحَادِيثِ الْبَابِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْإِمَامُ السَّهْمَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: الصَّفِيُّ. وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ الشَّعْبِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَقَتَادَةَ أَنَّهُمْ قَالُوا: «كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهْمٌ يُدْعَى الصَّفِيَّ» وَلَا يَقُومُ بِمِثْلِ هَذَا الْمُرْسَلِ حُجَّةٌ، وَأَمَّا اصْطِفَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ مِنْ غَنَائِمِ بَدْرٍ فَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْغَنَائِمَ كَانَتْ لَهُ يَوْمَئِذٍ خَاصَّةً، فَنُسِخَ الْحُكْمُ بِالتَّخْمِيسِ كَمَا حَكَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ الْإِمَامِ يَحْيَى، وَأَمَّا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ فَهِيَ مِنْ خَيْبَرَ وَلَمْ يَقْسِمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْغَانِمِينَ مِنْهَا إلَّا الْبَعْضَ، فَكَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ ذَلِكَ الْبَعْضِ الَّذِي لَمْ يَقْسِمْ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيِّ فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ. وَقَدْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَسْتَحِقُّ الصَّفِيَّ الْعِتْرَةُ وَخَالَفَهُمْ الْفُقَهَاءُ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَدِلَّةَ الْقَاضِيَةَ بِاسْتِحْقَاقِ الْإِمَامِ لِلصَّفِيِّ فِي بَابٍ مُسْتَقِلٍّ سَيَأْتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>