. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
فَجَعَلَ الْهَاءَ لِلتَّنْبِيهِ وَذَا لِلْإِشَارَةِ وَفَصَلَ بَيْنَهُمَا بِالْمُقْسَمِ بِهِ.
قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا فَيَطَّرِدَ وَلَا فَصِيحًا فَيُحْمَلَ عَلَيْهِ الْكَلَامُ النَّبَوِيُّ وَلَا مَرْوِيًّا بِرِوَايَةٍ ثَابِتَةٍ. قَالَ: وَمَا وُجِدَ لِلْعُذْرِيِّ وَغَيْرِهِ فِي مُسْلِمٍ فَإِصْلَاحُ مِمَّنْ اغْتَرَّ بِمَا حُكِيَ عَنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْغَرْنَاطِيُّ فِي حَاشِيَةِ نُسْخَتِهِ مِنْ الْبُخَارِيِّ: اسْتَرْسَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْقُدَمَاءِ فِي هَذَا الْإِشْكَالِ إلَى أَنْ جَعَلُوا الْمَخْلَصَ مِنْهُ أَنْ اتَّهَمُوا الْأَثْبَاتَ بِالتَّصْحِيفِ فَقَالُوا: وَالصَّوَابُ لَا هَا اللَّهِ ذَا بِاسْمِ الْإِشَارَةِ. قَالَ: وَيَا عَجَبَاهُ مِنْ قَوْمٍ يَقْبَلُونَ التَّشْكِيكَ عَلَى الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةِ وَيَطْلُبُونَ لَهَا تَأْوِيلًا، وَجَوَابُهُمْ أَنَّ هَا اللَّهِ لَا يَسْتَلْزِمُ اسْمَ الْإِشَارَةِ كَمَا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ، وَأَمَّا جَعْلُ لَا يَعْمِدُ جَوَابَ " فَأَرْضِهِ " فَهُوَ سَبَبُ الْغَلَطِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ مِمَّنْ زَعَمَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " صَدَقَ فَأَرْضِهِ " فَكَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ: إذًا صَدَقَ فِي أَنَّهُ صَاحِبُ السَّلَبِ، إذْ لَا يَعْمِدُ إلَى السَّلَبِ فَيُعْطِيَكَ حَقَّهُ فَالْجَزَاءُ عَلَى هَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّ صِدْقَهُ سَبَبُ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ، قَالَ: وَهَذَا لَا تَكَلُّفَ فِيهِ انْتَهَى.
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ تَوْجِيهٌ حَسَنٌ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ أَعْقَدُ. وَيُؤَيِّدُ مَا رَجَّحَهُ مِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى مَا ثَبَتَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ كَثْرَةُ وُقُوعِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ: مِنْهَا مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ لَمَّا ذَكَرَتْ أَنَّ أَهْلَهَا يَشْتَرِطُونَ الْوَلَاءَ، قَالَتْ: فَانْتَهَرْتُهَا، فَقُلْتُ: لَا هَا اللَّهِ إذًا. وَمِنْهَا مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ جُلَيْبِيبٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ عَلَيْهِ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ إلَى أَبِيهَا، فَقَالَ: حَتَّى أَسْتَأْمِرَ أُمَّهَا، فَقَالَ: فَنَعَمْ إذًا، قَالَ: فَذَهَبَ إلَى امْرَأَتِهِ فَذَكَرَ لَهَا ذَلِكَ، فَقَالَتْ: لَا هَا اللَّهِ إذًا وَقَدْ مَنَعْنَاهَا فُلَانًا» الْحَدِيثُ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ، قَالَ مَالِكُ بْنِ دِينَارٍ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ أَوَلَيْسَتْ مِثْلَ عَبَاءَتِي هَذِهِ؟ قَالَ: لَاهَا اللَّهِ إذًا لَا أَلْبَسُ مِثْل عَبَاءَتِكَ هَذِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ.
وَالرَّاجِحُ أَنَّ ذَا الْوَاقِعَةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَمَا شَابَهَهُ حَرْفُ جَوَابٍ وَجَزَاءٍ، وَالتَّقْدِيرُ لَا وَاَللَّهِ حِينَئِذٍ ثُمَّ أَرَادَ بَيَانَ السَّبَبِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: " لَا يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ. . . إلَخْ ".
١ -
قَوْلُهُ: (لَا يَعْمِدُ. . . إلَخْ) مَعْنَاهُ لَا يَقْصِدُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى رَجُلٍ كَأَنَّهُ أَسَدٌ فِي الشَّجَاعَةِ يُقَاتِلُ عَنْ دِينِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيَأْخُذَ حَقَّهُ وَيُعْطِيَكَ بِغَيْرِ طِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ، هَكَذَا ضُبِطَ لِلْأَكْثَرِ بِالتَّحْتَانِيَّةِ فِي يَعْمِدُ وَفِي يُعْطِيَكَ، وَضَبَطَهُ النَّوَوِيُّ بِالنُّونِ فِيهِمَا. قَوْلُهُ: (فَيُعْطِيَكَ سَلَبَهُ) أَيْ سَلَبَ قَتِيلِهِ وَأَضَافَهُ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِلْكُهُ. قَوْلُهُ: (فَابْتَعْتُ بِهِ) ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ: أَنَّ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ وَأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ سَبْعَ أَوَاقٍ.
قَوْلُهُ: (مَخْرَفًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ وَيَجُوزُ كَسْرُ الرَّاءِ: أَيْ بُسْتَانًا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُخْتَرَفُ مِنْهُ التَّمْرُ: أَيْ يُجْتَنَى، وَأَمَّا بِكَسْرِ الْمِيمِ فَهُوَ اسْمُ الْآلَةِ الَّتِي يُخْتَرَفُ بِهَا. قَوْلُهُ: (فِي بَنِي سَلِمَةَ) بِكَسْرِ اللَّامِ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ قَوْمِ أَبِي قَتَادَةَ. قَوْلُهُ: (تَأَثَّلْتُهُ) بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ: أَيْ أَصَّلْتُهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute