للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٣٥٢ - (وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفِ أَنَّهُ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ نَظَرْت عَنْ يَمِينِي فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلَامَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْت لَوْ كُنْتُ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ: يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قَالَ: قُلْت: نَعَمْ،

ــ

[نيل الأوطار]

بَيِّنَةٌ لَا تُقْبَلُ. وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ أَبَا قَتَادَةَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي مَغَازِي الْوَاقِدِيِّ أَنَّ أَوْسَ بْنَ خَوْلِيٍّ شَهِدَ لِأَبِي قَتَادَةَ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ أَنَّهُ الْقَاتِلُ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ، وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ إنَّ الْمُرَادَ بِالْبَيِّنَةِ هُنَا الَّذِي أَقَرَّ لَهُ أَنَّ السَّلَبَ عِنْدَهُ فَهُوَ شَاهِدٌ. وَالشَّاهِدُ الثَّانِي وُجُودُ الْمَسْلُوبِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ عَلَى أَنَّهُ قَتَلَهُ، وَلِذَلِكَ جُعِلَ لَوْثًا فِي بَابِ الْقَسَامَةِ.

وَقِيلَ: إنَّمَا اسْتَحَقَّهُ أَبُو قَتَادَةَ بِإِقْرَارِ الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إنَّمَا يُفِيدُ إذَا كَانَ الْمَالُ مَنْسُوبًا لِمَنْ هُوَ بِيَدِهِ فَيُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ، وَالْمَالُ هُنَا لِجَمِيعِ الْجَيْشِ. وَنَقَلَ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ هُنَا يَكْفِي فِيهَا شَاهِدٌ وَاحِدٌ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ هَلْ يَسْتَحِقَّانِ سَلَبَ مَنْ قَتَلَاهُ؟ فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ قَالَ الْإِمَامُ يَحْيَى أَصَحُّهُمَا يَسْتَحِقَّانِ لِعُمُومِ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» . قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ حَيْثُ قَتَلَهُ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ، لَا لَوْ قَتَلَهُ نَائِمًا أَوْ فَارًّا قَبْلَ مُبَارَزَتِهِ أَوْ مَشْغُولًا بِأَكْلٍ، وَلَا لَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ إذْ هُوَ فِي مُقَابَلَةِ الْمُخَاطَرَةِ بِالنَّفْسِ وَلَا مُخَاطَرَةَ هُنَا، وَلَا لَوْ قَتَلَ أَسِيرًا أَوْ عَزِيلًا عَنْ السِّلَاحِ، وَلَا لَوْ قَتَلَ مَنْ لَا سَطْوَةَ لَهُ كَالْمُقْعَدِ وَالزَّمِنِ، فَإِنْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ إذْ قَدْ كَفَى شَرَّهُ، وَلَوْ جَرَحَهُ رَجُلٌ ثُمَّ قَتَلَهُ آخَرُ فَالسَّلَبُ لِلْآخَرِ إذْ لَمْ يُعْطِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ مَسْعُودٍ سَلَبَ أَبِي جَهْلٍ وَقَدْ جَرَحَهُ بَلْ قَاتِلَيْهِ مِنْ الْأَنْصَارِ. قَالَ فَلَوْ ضَرَبَ أَحَدُهُمَا يَدَهُ وَالْآخَرُ رَقَبَتَهُ فَالسَّلَبُ لِضَارِبِ الرَّقَبَةِ إنْ لَمْ تَكُنْ ضَرْبَةُ الْآخَرِ قَاتِلَةً وَإِلَّا اشْتَرَكَا، انْتَهَى.

وَالْمُرَادُ بِالسَّلَبِ: هُوَ مَا أَجْلَبَ بِهِ الْمَقْتُولُ مِنْ مَلْبُوسٍ وَمَرْكُوبٍ وَسِلَاحٍ، لَا مَا كَانَ بَاقِيًا فِي بَيْتِهِ. قَالَ الْإِمَامُ يَحْيَى: وَلَا الْمِنْطَقَةُ وَالْخَاتَمُ وَالسِّوَارُ وَالْجَنِيبُ مِنْ الْخَيْلِ فَلَيْسَ بِسَلَبٍ. قَالَ الْمَهْدِيُّ: بَلْ الْمَذْهَبُ أَنَّ كُلَّ مَا ظَهَرَ عَلَى الْقَتِيلِ أَوْ مَعَهُ فَهُوَ سَلَبٌ، لَا مَا يُخْفِي مِنْ جَوَاهِرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ نَحْوِهَا. انْتَهَى.

وَالظَّاهِرُ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ الْمُؤَكَّدِ بِلَفْظِ أَجْمَعُ أَنَّهُ يُقَالُ لِكُلِّ شَيْءٍ وُجِدَ مَعَ الْمَقْتُولِ وَقْتَ الْقَتْلِ سَلَبٌ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَظْهَرُ أَوْ يَخْفَى. وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَدْخُلُ الْإِمَامُ فِي الْعُمُومِ إذَا قَالَ " مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ " فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْهَادَوِيَّةُ إلَى الْأَوَّلِ لِعُمُومِ اللَّفْظِ إلَّا لِقَرِينَةٍ مُخَصِّصَةٍ نَحْوِ أَنْ يَقُولَ: مَنْ قَتَلَ مِنْكُمْ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ فِي قَوْلٍ لَهُ: إنَّهُ لَا يَدْخُلُ وَمَرْجِعُ هَذَا إلَى الْمَسْأَلَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْأُصُولِ وَهِيَ هَلْ يَدْخُلُ الْمُخَاطِبُ فِي خِطَابِ نَفْسِهِ أَمْ لَا؟ وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ.

٣٣٥٢ - (وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفِ أَنَّهُ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ نَظَرْت عَنْ يَمِينِي فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلَامَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْت لَوْ كُنْتُ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ: يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قَالَ: قُلْت: نَعَمْ،

<<  <  ج: ص:  >  >>