للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَاب التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ وَمَنْ قَاتَلَ وَمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ

ــ

[نيل الأوطار]

إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، وَقَرَّرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَجِبُ لِلْقَاتِلِ لَكَانَ السَّلَبُ مُسْتَحَقًّا بِالْقَتْلِ وَلَجَعَلَهُ بَيْنَهُمَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي قَتْلِهِ، فَلَمَّا خَصَّ بِهِ أَحَدَهُمَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْقَتْلِ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ. وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ فِي السِّيَاقِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ السَّلَبَ يَسْتَحِقُّهُ مَنْ أَثْخَنَ فِي الْجَرْحِ وَلَوْ شَارَكَهُ غَيْرُهُ فِي الضَّرْبِ أَوْ الطَّعْنِ. قَالَ الْمُهَلَّبُ: وَإِنَّمَا قَالَ: " كِلَاكُمَا قَتَلَهُ ". وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا هُوَ الَّذِي أَثْخَنَهُ لِتَطِيبَ نَفْسُ الْآخَرِ. وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: أَقُولُ إنَّ الْأَنْصَارِيَّيْنِ ضَرَبَاهُ فَأَثْخَنَاهُ فَبَلَغَا بِهِ الْمَبْلَغَ الَّذِي يُعْلَمُ مَعَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَقَاؤُهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ إلَّا قَدْرَ مَا يَطْفَأُ.

وَقَدْ دَلَّ قَوْلُهُ: " كِلَاكُمَا قَتَلَهُ " عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَصَلَ إلَى قَطْعِ الْحَشْوَةِ وَإِبَانَتِهَا، وَلَمَّا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ عَمَلَ كُلٍّ مِنْ سَيْفَيْهِمَا كَعَمَلِ الْآخَرِ، غَيْرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا سَبَقَ بِالضَّرْبِ فَصَارَ فِي حُكْمِ الْمُثْبَتِ بِجِرَاحَتِهِ حَتَّى وَقَعَتْ بِهِ ضَرْبَةُ الثَّانِي فَاشْتَرَكَا فِي الْقَتْلِ. إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا قَتَلَهُ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَالْآخَرُ قَتَلَهُ وَهُوَ مُثْبَتٌ، فَلِذَلِكَ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلسَّابِقِ إلَى إثْخَانِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ قَالَ: قَالَ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ: سَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ: أَبُو جَهْلٍ لَا يُخْلَصُ إلَيْهِ، فَجَعَلْتُهُ مِنْ شَأْنِي، فَعَمَدْتُ نَحْوَهُ فَلَمَّا أَمْكَنَنِي حَمَلْتُ عَلَيْهِ فَضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً أَطَنَّتْ قَدَمَهُ وَضَرَبَنِي ابْنُهُ عِكْرِمَةُ عَلَى عَاتِقِي فَطَرَحَ يَدِي، قَالَ: ثُمَّ عَاشَ مُعَاذٌ إلَى وَقْتِ عُثْمَانَ، قَالَ: وَمَرَّ بِأَبِي جَهْلٍ مُعَوِّذُ ابْنُ عَفْرَاءَ فَضَرَبَهُ حَتَّى أَثْبَتَهُ وَبِهِ رَمَقٌ، ثُمَّ قَاتَلَ مُعَوِّذٌ حَتَّى قُتِلَ، فَمَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِأَبِي جَهْلٍ - لَعَنَهُ اللَّهُ - فَوَجَدَهُ بِآخِرِ رَمَقٍ فَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ

قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَهَذَا الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ يَجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ لَكِنَّهُ يُخَالِفُ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَإِنَّهُ رَأَى مُعَاذًا وَمُعَوِّذًا شَدَّا عَلَيْهِ جَمِيعًا حَتَّى طَرَحَاهُ وَابْنُ إِسْحَاقَ يَقُولُ: إنَّ ابْنَ عَفْرَاءَ هُوَ مُعَوِّذٌ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ، وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحِ مُعَاذٌ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ شَدَّ عَلَيْهِ مَعَ مُعَاذِ بْنِ عَمْرٍو كَمَا فِي الصَّحِيحِ، وَضَرَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مُعَوِّذٌ حَتَّى أَثْبَتَهُ، ثُمَّ حَزَّ رَأْسَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَتَجْتَمِعُ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا وَإِطْلَاقُ كَوْنِهِمَا قَتَلَاهُ يُخَالِفُ فِي الظَّاهِرِ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَجَدَهُ وَبِهِ رَمَقٌ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمَا بَلَغَا بِهِ بِضَرْبِهِمَا إيَّاهُ بِسَيْفَيْهِمَا مَنْزِلَةَ الْمَقْتُولِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا مِثْلُ حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، وَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَقِيَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَأَمَّا مَا وَقَعَ عِنْدَ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ " وَجَدَ أَبَا جَهْلٍ مَصْرُوعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْرَكَةِ غَيْرُ كَثِيرٍ مُتَقَنِّعًا فِي الْحَدِيدِ وَاضِعًا سَيْفَهُ عَلَى فَخِذِهِ لَا يَتَحَرَّكُ مِنْهُ عُضْوٌ، فَظَنَّ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ مُثْبَتٌ جِرَاحًا، فَأَتَاهُ مِنْ وَرَائِهِ فَتَنَاوَلَ قَائِمَ سَيْفِ أَبِي جَهْلٍ فَاسْتَلَّهُ وَرَفَعَ بِعَضُدِ أَبِي جَهْلٍ عَنْ قَفَاهُ فَضَرَبَهُ فَوَقَعَ رَأْسُهُ بَيْن يَدَيْهِ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ لَهُ بَعْدَ أَنْ خَاطَبَهُ بِمَا تَقَدَّمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>