للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ جَوَازِ تَنْفِيلِ بَعْضِ الْجَيْشِ لِبَأْسِهِ وَغِنَائِهِ أَوْ تَحَمُّلِهِ مَكْرُوهًا دُونَهُمْ

ــ

[نيل الأوطار]

قَوْلُهُ: (فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالسَّوَاءِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا إذَا انْفَرَدَتْ مِنْهُ قِطْعَةٌ فَغَنِمَتْ شَيْئًا كَانَتْ الْغَنِيمَةُ لِلْجَمِيعِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ: أَيْ إذَا خَرَجَ الْجَيْشُ جَمِيعُهُ ثُمَّ انْفَرَدَتْ مِنْهُ قِطْعَةٌ انْتَهَى. وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْجَيْشَ الْقَاعِدَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ لَا يُشَارِكُ الْجَيْشَ الْخَارِجَ إلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ، بَلْ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: إنَّ الْمُنْقَطِعَ مِنْ الْجَيْشِ عَنْ الْجَيْشِ الَّذِي فِيهِ الْإِمَامُ يَنْفَرِدُ بِمَا يَغْنَمُهُ، قَالَ: وَإِنَّمَا قَالُوا: هُوَ بِمُشَارَكَةِ الْجَيْشِ لَهُمْ إذَا كَانُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ يَلْحَقُهُمْ عَوْنُهُ وَغَوْثُهُ لَوْ احْتَاجُوا انْتَهَى.

قَوْلُهُ: (فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى فُوَاقٍ) أَيْ قَسَمَهَا بِسُرْعَةٍ فِي قَدْرِ مَا بَيْنَ الْحَلْبَتَيْنِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ فَضَّلَ فِي الْقِسْمَةِ، فَجَعَلَ بَعْضَهُمْ أَفْوَقَ مِنْ بَعْضٍ عَلَى قَدْرِ عِنَايَتِهِ. قَوْلُهُ: (عَلَى بَوَاءٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْوَاوِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَمْدُودَةٌ وَهُوَ السَّوَاءُ كَمَا فَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

قَوْلُهُ: (حَامِيَةَ الْقَوْمِ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالْحَامِيَةُ: الرَّجُلُ يَحْمِي أَصْحَابَهُ وَالْجَمَاعَةُ أَيْضًا حَامِيَةٌ، وَهُوَ عَلَى حَامِيَةِ الْقَوْمِ: أَيْ آخِرُ مَنْ يَحْمِيهِمْ فِي مُضِيِّهِمْ انْتَهَى. قَوْلُهُ: (رَأَى سَعْدٌ) أَيْ ابْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَهُوَ وَالِدُ مُصْعَبٍ الرَّاوِي عَنْهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَصُورَةُ هَذَا السِّيَاقِ مُرْسَلَةٌ لِأَنَّ مُصْعَبًا لَمْ يُدْرِكْ زَمَانَ هَذَا الْقَوْلِ، لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ أَبِيهِ. وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ عَنْ مُصْعَبٍ بِالرِّوَايَةِ لَهُ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، فَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ مُعَاذِ بْنِ هَانِئٍ حَدِيثَ مُحَمَّدِ بْن طَلْحَةَ، فَقَالَ فِيهِ: عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الْمَرْفُوعَ دُونَ مَا فِي أَوَّلِهِ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ هُوَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مِسْعَرٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ مُصْعَبٍ عَنْ أَبِيهِ وَلَفْظُهُ: «أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ» الْحَدِيثَ.

وَرَوَاهُ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا أَيْضًا لَكِنَّهُ اخْتَصَرَهُ، وَلَفْظُهُ: «يُنْصَرُ الْمُسْلِمُونَ بِدُعَاءِ الْمُسْتَضْعَفِينَ» أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَرْجَمَتِهِ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْد السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ وَقَالَ: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عَمْرٍو تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ السَّلَامِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " رَأَى سَعْدٌ ": أَيْ ظَنَّ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ النَّسَائِيّ. قَوْلُهُ: (عَلَى مَنْ دُونَهُ) أَيْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ أَيْضًا، وَسَبَبُ ذَلِكَ مَا لَهُ مِنْ الشَّجَاعَةِ وَالْإِقْدَامِ فِي ذَلِكَ الْمَوْطِنِ. قَوْلُهُ: (هَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إلَّا بِضُعَفَائِكُمْ) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ أَنَّ الضُّعَفَاءَ أَشَدُّ إخْلَاصًا فِي الدُّعَاءِ وَأَكْثَرُ خُشُوعًا فِي الْعِبَادَةِ لِخَلَاءِ قُلُوبِهِمْ عَنْ التَّعَلُّقِ بِزُخْرُفِ الدُّنْيَا. وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: أَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ حَضَّ سَعْدٍ عَلَى التَّوَاضُعِ وَنَفْيِ الزَّهْوِ عَلَى غَيْرِهِ وَتَرْكِ احْتِقَارِ الْمُسْلِمِ فِي كُلِّ حَالَةٍ. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ مَكْحُولٍ فِي قِصَّةِ سَعْدٍ هَذِهِ زِيَادَةً مَعَ إرْسَالِهَا، فَقَالَ: " قَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت رَجُلًا يَكُونُ حَامِيَةَ الْقَوْمِ وَيَدْفَعُ عَنْ أَصْحَابِهِ أَيَكُونُ نَصِيبُهُ كَنَصِيبِ غَيْرِهِ؟ " فَذَكَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>