بَابُ تَنْفِيلِ سَرِيَّةِ الْجَيْشِ عَلَيْهِ وَاشْتِرَاكُهُمَا فِي الْغَنَائِم
٣٣٦١ - (عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَّلَ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ فِي بَدْأَتِهِ، وَنَفَّلَ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ فِي رَجْعَتِهِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد) .
٣٣٦٢ - (وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُنَفِّلُ فِي الْبَدْأَةِ الرُّبُعَ، وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ) .
ــ
[نيل الأوطار]
بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ ثُمَّ مُهْمَلَةٌ: ذَوَاتُ الدَّرِّ مِنْ الْإِبِلِ، وَاحِدَتُهَا لِقْحَةٌ بِالْكَسْرِ وَبِالْفَتْحِ أَيْضًا، وَاللَّقُوحُ: الْحَلُوبُ، وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّهَا كَانَتْ عِشْرِينَ لِقْحَةً. قَالَ: وَكَانَ فِيهِمْ ابْنُ أَبِي ذَرٍّ وَامْرَأَتُهُ، فَأَغَارَ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوا الرَّجُلَ وَأَسَرُوا الْمَرْأَةَ، وَالْقِصَّةُ مَبْسُوطَةٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا.
قَوْلُهُ: (وَاسْتِنْقَاذَهُ) أَيْ السَّرْحِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . . إلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَفِّلَ بَعْضَ الْجَيْشِ بِبَعْضِ الْغَنِيمَةِ إذَا كَانَ لَهُ مِنْ الْعِنَايَةِ وَالْمُقَاتَلَةِ مَا لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ مَنْ بَعْدَهُ، وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ بِشَرْطٍ مِنْ أَمِيرِ الْجَيْشِ كَأَنْ يُحَرِّضَ عَلَى الْقِتَالِ وَيَعِدَ بِأَنْ يُنَفِّلَ الرُّبُعَ أَوْ الثُّلُثَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْقِتَالَ حِينَئِذٍ يَكُونُ لِلدُّنْيَا فَلَا يَجُوزُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هُوَ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ أَوْ مِنْ الْخُمُسِ أَوْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ أَوْ مِمَّا عَدَا الْخُمُسَ عَلَى أَقْوَالٍ
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ الْخُمُسِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ، وَنَقَلَهُ مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ شَاذٌّ عِنْدَهُمْ، وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا مَا يَرُدُّ هَذَا الْقَوْلَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُمْ: النَّفَلُ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ: لَا نَفْلَ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ. قَالَ الْخَطَّابِيِّ: أَكْثَرُ مَا رُوِيَ مِنْ الْأَخْبَارِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّفَلَ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنْ أَرَادَ الْإِمَامُ تَفْضِيلَ بَعْضِ الْجَيْشِ لِمَعْنًى فِيهِ فَذَلِكَ مِنْ الْخُمُسِ لَا مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ، وَإِنْ انْفَرَدَتْ قِطْعَةٌ فَأَرَادَ أَنْ يُنَفِّلَهَا مِمَّا غَنِمَتْ دُونَ سَائِرِ الْجَيْشِ فَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْخُمُسِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْخِلَافِ فِي الْمِقْدَارِ الَّذِي يَجُوزُ تَنْفِيلُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute