بَابُ بَيَانِ الصَّفِيِّ الَّذِي كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَهْمُهُ مَعَ غَيْبَتِهِ
ــ
[نيل الأوطار]
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ غَلَطٌ قَوْلُهُ: (اثْنَيْ عَشَر بَعِيرًا، وَنَفَّلَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعِيرًا بَعِيرًا) هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلْبُخَارِيِّ: " اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا " وَقَدْ وَقَعَ بَيَانُ هَذَا الشَّكِّ فِي غَيْرِهِ مِنْ الرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ بَعْضُهَا فِي الْبَابِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد: " فَكَانَ سُهْمَانُ الْجَيْشِ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا اثْنَيْ عَشَر بَعِيرًا، وَنَفَّلَ أَهْلَ السَّرِيَّةِ بَعِيرًا بَعِيرًا، فَكَانَ سِهَامُهُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا " وَأَخْرَجَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ ذَلِكَ الْجَيْشَ أَرْبَعَةُ آلَافٍ. قَوْلُهُ: (وَنَفَّلَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . . إلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي نَفَّلَهُمْ هُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الرُّوَاةِ فِي الْقَسْمِ وَالتَّنْفِيلِ، هَلْ كَانَا جَمِيعًا مِنْ أَمِيرِ ذَلِكَ الْجَيْشِ أَوْ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ أَحَدِهِمَا، فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَرِيحَةٌ أَنَّ الَّذِي نَفَّلَهُمْ هُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُد الْمَذْكُورَةُ بَعْدَهَا مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ الَّذِي نَفَّلَهُمْ هُوَ الْأَمِيرُ، وَرِوَايَةُ ابْنِ إِسْحَاقَ مُصَرِّحَةٌ أَنَّ التَّنْفِيلَ كَانَ مِنْ الْأَمِيرِ، وَالْقَسْمُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ذَلِكَ صَدَرَ مِنْ أَمِيرِ الْجَيْشِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُقَرِّرًا لِذَلِكَ وَمُجِيزًا لَهُ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ: وَلَمْ يُغَيِّرْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي صُرِّحَ فِيهَا بِأَنَّ الْمُنَفِّلَ هُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ التَّقْرِيرُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ أَمِيرَ السَّرِيَّةِ نَفَّلَهُمْ فَأَجَازَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَازَتْ نِسْبَتُهُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا.
وَفِي هَذَا التَّنْفِيلِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ التَّنْفِيلُ أَكْثَرَ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَحَدِيثُ الْبَابِ يَرُدُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَعْنِي قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنَّ التَّنْفِيلَ يَكُونُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ لِأَنَّهُمْ نُفِّلُوا نِصْفَ السُّدُسِ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ. وَقَدْ زَادَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ إيضَاحًا فَقَالَ: لَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُمْ كَانُوا مِائَةً لَكَانَ قَدْ حَصَلَ لَهُمْ أَلْفٌ وَمِائَتَا بَعِيرٍ ثُمَّ بَيَّنَ مِقْدَارَ الْخُمُسِ وَخُمُسِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُ بَعِيرٌ.
قَالَ ابْنُ التِّينِ: قَدْ انْفَصَلَ مَنْ قَالَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ التَّنْفِيلَ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ بِأَوْجُهٍ: مِنْهَا: أَنَّ الْغَنِيمَةَ لَمْ تَكُنْ كُلُّهَا أَبْعِرَةً، بَلْ كَانَ فِيهَا أَصْنَافٌ أُخَرُ، فَيَكُونُ التَّنْفِيلُ وَقَعَ مِنْ بَعْضِ الْأَصْنَافِ دُونَ بَعْضٍ. ثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ نَفَّلَهُمْ مِنْ سَهْمِهِ مِنْ هَذِهِ الْغَزَاةِ وَغَيْرِهَا فَضَمَّ هَذَا إلَى هَذَا فَلِذَلِكَ زَادَتْ الْعِدَّةُ. ثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ نَفَّلَ بَعْضَ الْجَيْشِ دُونَ بَعْضٍ.
قَالَ: وَظَاهِرُ السِّيَاقِ يَرُدُّ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ، قَالَ: وَقَدْ جَاءَ أَنَّهُمْ كَانُوا عَشَرَةً وَأَنَّهُمْ غَنِمُوا مِائَةً وَخَمْسِينَ بَعِيرًا فَخَرَجَ مِنْهَا الْخُمُسُ وَهُوَ ثَلَاثُونَ، وَقَسَمَ عَلَيْهِمْ الْبَقِيَّةَ فَحَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ اثْنَا عَشَرَ ثُمَّ نُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ نُفِّلُوا ثُلُثَ الْخُمُسِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ قَالَ: إنْ أَرَادَ الْإِمَامُ تَفْضِيلَ بَعْضِ الْجَيْشِ لِمَعْنًى فِيهِ، فَذَلِكَ مِنْ الْخُمُسِ لَا مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ، وَإِنْ انْفَرَدَتْ قِطْعَةٌ فَأَرَادَ أَنْ يُنَفِّلَهَا مِمَّا غَنِمَتْ دُونَ سَائِرِ الْجَيْشِ فَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْخُمُسِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ انْتَهَى.
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا الشَّرْطُ قَالَ بِهِ الْجُمْهُورُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَتَحَدَّدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute