للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ حُكْمُ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ إذَا أَخَذَهَا الْكُفَّارُ ثُمَّ أُخِذَتْ مِنْهُمْ

ــ

[نيل الأوطار]

فِي الْجَبَلِ، وَأَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا وَمَا بَعْدَهُ التَّنْبِيهَ عَلَى جَزِيلِ مَا حَصَلَ لَهُمْ مِنْ ثَوَابِ النُّصْرَةِ وَالْقَنَاعَةِ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ عَنْ الدُّنْيَا وَمَنْ هَذَا وَصْفُهُ فَحَقُّهُ أَنْ يُسْلَكَ طَرِيقُهُ وَيُتَّبَعُ حَالُهُ. قَالَ الْخَطَّابِيِّ: لَمَّا كَانَتْ الْعَادَةُ أَنَّ الْمَرْءَ يَكُونُ فِي نُزُولِهِ وَارْتِحَالِهِ مَعَ قَوْمِهِ، وَأَرْضُ الْحِجَازِ كَثِيرَةُ الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ، فَإِذَا تَفَرَّقَتْ فِي السَّفَرِ سَلَكَ كُلُّ قَوْمٍ مِنْهُمْ وَادِيًا وَشِعْبًا فَأَرَادَ أَنَّهُ مَعَ الْأَنْصَارِ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْوَادِي الْمَذْهَبَ، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ فِي وَادٍ وَأَنَا فِي وَادٍ انْتَهَى.

وَقَدْ أَثْنَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْأَنْصَارِ فِي هَذِهِ الْوَقْعَةِ وَمَدَحَهُمْ، فَمِنْ جُمْلَةِ مَا قَالَهُ لَهُمْ «لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ» وَقَالَ «الْأَنْصَارُ شِعَارٌ، وَالنَّاسُ دِثَارٌ» كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ: (حِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مَا أَفَاءَ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ) أَيْ أَعْطَاهُ غَنَائِمَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ مِنْهُمْ يَوْمَ حُنَيْنٌ. وَأَصْلُ الْفَيْءِ الرَّدُّ وَالرُّجُوعُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الظِّلُّ بَعْدَ الزَّوَالِ فَيْئًا لِأَنَّهُ رَجَعَ مِنْ جَانِبٍ، فَكَأَنَّ أَمْوَالَ الْكُفَّارِ سُمِّيَتْ فَيْئًا لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي الْأَصْلِ لِلْمُؤْمِنِينَ، إذْ الْإِيمَانُ هُوَ الْأَصْلُ وَالْكُفْرُ طَارِئٌ، فَإِذَا غَلَبَ الْكُفَّارُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ فَهُوَ طَرِيقُ التَّعَدِّي، فَإِذَا غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ فَكَأَنَّهُ رَجَعَ إلَيْهِمْ مَا كَانَ لَهُمْ قَوْلُهُ: (فَطَفِقَ يُعْطِي رِجَالًا) هُمْ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَسْلَمُوا يَوْم الْفَتْحِ إسْلَامًا ضَعِيفًا. وَقِيلَ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ بَعْدُ كَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ.

وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْمُؤَلَّفَةِ الَّذِينَ هُمْ أَحَدُ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلزَّكَاةِ فَقِيلَ كُفَّارٌ يُعْطَوْنَ تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ. وَقِيلَ مُسْلِمُونَ لَهُمْ أَتْبَاعٌ كُفَّارٌ يَتَأَلَّفُونَهُمْ. وَقِيلَ مُسْلِمُونَ أَوَّلُ مَا دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ لِيَتَمَكَّنَ الْإِسْلَامُ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَالْمُرَادُ بِالرِّجَالِ الَّذِينَ أَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَهُنَا هُمْ جَمَاعَةٌ قَدْ سَرَدَ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ طَاهِرٍ فِي الْمُبْهَمَاتِ لَهُ أَسْمَاءَهُمْ فَقَالَ: هُمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَأَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَرْبُوعٍ وَهَؤُلَاءِ مِنْ قُرَيْشٍ. وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيّ وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ التَّمِيمِيُّ وَعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النَّصْرِيُّ وَالْعَلَاءُ بْنُ حَارِثَةَ الثَّقَفِيُّ.

قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: وَفِي ذِكْرِ الْأَخِيرَيْنِ نَظَرٌ. وَقِيلَ: إنَّمَا جَاءَا طَائِعَيْنِ مِنْ الطَّائِفِ إلَى الْجِعْرَانَةِ. وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ فِي الْمُؤَلَّفَةِ مُعَاوِيَةَ وَيَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأُسَيْدُ بْنَ حَارِثَةَ وَمَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ وَسَعِيدَ بْنَ يَرْبُوعٍ وَقَيْسَ بْنَ عَدِيٍّ وَعَمْرَو بْنَ وَهْبٍ وَهِشَامَ بْنَ عُمَرَ. وَزَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَجُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ وَالسَّائِبُ بْنُ أَبِي السَّائِبِ وَمُطِيعُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَأَبُو جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيهِمْ زَيْدَ الْخَيْلِ وَعَلْقَمَةَ بْنَ عُلَاثَةَ وَحَكِيمَ بْنَ طَلِيقِ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَخَالِدَ بْنَ قَيْسٍ السَّهْمِيَّ وَعُمَيْرَ بْنَ مِرْدَاسٍ، وَذَكَرَ غَيْرُهُمْ فِيهِمْ قَيْسَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَأُحَيْحَةَ بْنَ أَلْيَةَ بْنِ خَلَفٍ وَأُبَيُّ بْنَ شَرِيقٍ وَحَرْمَلَةَ بْنَ هَوْذَةَ وَخَالِدَ بْنَ هَوْذَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>