. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
فَتَعَجَّبُوا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءَ، وَإِنَّ الْمُسْلِمَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ» .
قَوْلُهُ: (فَبَشَّرَهُ) أَيْ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَوْ بَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ، أَوْ بِمَحْوِ ذُنُوبِهِ وَتَبِعَاتِهِ السَّابِقَةِ. قَوْلُهُ: (صَبَوْتَ) هَذَا اللَّفْظُ كَانُوا يُطْلِقُونَهُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ، وَأَصْلُهُ يُقَالُ لِمَنْ دَخَلَ فِي دِينِ الصَّابِئَةِ وَهُمْ فِرْقَةٌ مَعْرُوفَةٌ. قَوْلُهُ: (لَا، وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ. . . إلَخْ) كَأَنَّهُ قَالَ: لَا، مَا خَرَجْت مِنْ الدِّينِ لِأَنَّ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ لَيْسَتْ دِينًا، فَإِذَا تَرَكْتُهَا أَكُونُ قَدْ خَرَجْت مِنْ دِينٍ، بَلْ اسْتَحْدَثْتُ دِينَ الْإِسْلَامِ. وَقَوْلُهُ " مَعَ مُحَمَّدٍ " أَيْ وَافَقْتُهُ عَلَى دِينِهِ فَصِرْنَا مُتَصَاحِبَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ.
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ «وَلَكِنِّي تَبِعْتُ خَيْرَ الدِّينِ دِينِ مُحَمَّدٍ» . قَوْلُهُ: (لَا وَاَللَّهِ) فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: وَاَللَّهِ لَا أَرْجِعُ إلَى دِينِكُمْ وَلَا أَرْفُقُ بِكُمْ فَأَتْرُكَ الْمِيرَةَ تَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) زَادَ ابْنُ هِشَامٍ «ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْيَمَامَةِ فَمَنَعَهُمْ أَنْ يَحْمِلُوا إلَى مَكَّةَ شَيْئًا فَكَتَبُوا إلَى النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّك تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ، فَكَتَبَ إلَى ثُمَامَةَ أَنْ يُخَلِّيَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْحَمْلِ إلَيْهِمْ» وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ الْفَوَائِدِ رَبْطُ الْكَافِرِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَنُّ عَلَى الْأَسِيرِ الْكَافِرِ وَتَعْظِيمُ أَمْرِ الْعَفْوِ عَنْ الْمُسِيءِ، لِأَنَّ ثُمَامَةَ أَقْسَمَ أَنَّ بِغْضَةَ الْقَلْبِ انْقَلَبَتْ حُبًّا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ لِمَا أَسَدَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْهِ مِنْ الْعَفْوِ وَالْمَنُّ بِغَيْرِ مُقَابِلٍ وَفِيهِ الِاغْتِسَالُ عِنْدَ الْإِسْلَامِ، وَأَنَّ الْإِحْسَانَ يُزِيلُ الْبُغْضَ وَيُثَبِّتُ الْحُبَّ، وَأَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَرَادَ عَمَلَ خَيْرٍ ثُمَّ أَسْلَمَ شُرِعَ لَهُ أَنْ يَسْتَمِرَّ فِي عَمَلِ ذَلِكَ الْخَيْرِ، وَفِيهِ الْمُلَاطَفَةُ لِمَنْ يُرْجَى إسْلَامُهُ مِنْ الْأُسَارَى إنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْإِسْلَامِ وَلَا سِيَّمَا مَنْ يَتْبَعُهُ عَلَى إسْلَامِهِ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ مِنْ قَوْمِهِ، وَفِيهِ بَعْثُ السَّرَايَا إلَى بِلَادِ الْكُفَّارِ وَأَسْرِ مَنْ وُجِدَ مِنْهُمْ، وَالتَّخْيِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي قَتْلِهِ وَالْإِبْقَاءِ عَلَيْهِ.
٣٤١٨ - (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «لَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى، يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونَ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَنَا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ؛ فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنَنِي مِنْ فُلَانٍ - نَسِيبًا لِعُمَرَ - فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَمَكِّنْ فُلَانًا مِنْ فُلَانٍ قَرَابَتِهِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا، فَهَوَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْت، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ جِئْت فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ؟ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute