بَابُ أَنَّ الْأَسِيرَ إذَا أَسْلَمَ لَمْ يَزُلْ مِلْكُ الْمُسْلِمِينَ عَنْهُ
ــ
[نيل الأوطار]
عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إنَّ جِبْرِيلَ هَبَطَ فَقَالَ لَهُ: خَيِّرْهُمْ، يَعْنِي أَصْحَابَكَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ الْقَتْلُ أَوْ الْفِدَاءُ عَلَى أَنْ يُقْتَلَ مِنْهُمْ قَابِلَ مِثْلُهُمْ، قَالُوا: الْفِدَاءُ وَيُقْتَلُ مِنَّا» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: هَذَا، يَعْنِي حَدِيثَ عَلِيٍّ، حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ. وَرَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَهُ. وَرَوَى ابْنُ عَوْنٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَهُ مُرْسَلًا.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَشَارَ النَّاسَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: نَرَى أَنْ تَعْفُوَ عَنْهُمْ وَتَقْبَلَ مِنْهُمْ الْفِدَاءَ» .
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رِجَالًا مِنْ الْأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: أَتَأْذَنُ لَنَا فَلْنَتْرُكْ لِابْنِ أُخْتِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ، فَقَالَ: لَا تَدَعُوا مِنْهُ دِرْهَمًا» .
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: ٦٧] إنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ وَالْمُسْلِمُونَ فِي قِلَّةٍ، فَلَمَّا كَثُرُوا وَاشْتَدَّ سُلْطَانُهُمْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: ٤] فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُؤْمِنِينَ بِالْخِيَارِ فِيهِمْ، إنْ شَاءُوا قَتَلُوهُمْ، وَإِنْ شَاءُوا اسْتَعْبَدُوهُمْ، وَإِنْ شَاءُوا فَادَوْهُمْ، وَفِي إسْنَادِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاس وَهُوَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ لَكِنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ التَّفْسِيرَ عَنْ ثِقَاتِ أَصْحَابِهِ كَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ اعْتَمَدَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُمَا فِي التَّفْسِيرِ.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ فَأَخَذَ، يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفِدَاءَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: ٦٧] إلَى قَوْلِهِ: {عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: ٦٨] ثُمَّ أَحَلَّ لَهُمْ الْغَنَائِمَ» قَوْلُهُ: (لَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى) قَدْ سَاقَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي تَفْصِيلَ أَمْرِ فِدَاءِ الْأُسَارَى فَذَكَرَ مَا يَشْفِي وَيَكْفِي قَوْلُهُ: (قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ) إنَّمَا وَقَعَ الْبُكَاءُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ أَبِي بَكْرٍ، لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ الْمُعَاتَبَةِ، وَلِمَا وَقَعَ مِنْ عَرْضِ الْعَذَابِ عَلَى الَّذِينَ أَخَذُوا الْفِدَاءَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ: (مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ كَذَا فِي الْمَشَارِقِ (قَوْلُهُ بِذَحْلِ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ.
قَالَ فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ: الذَّحْلُ: الْوِتْرُ وَطَلَبُ الْمُكَافَأَةِ بِجِنَايَةٍ جُنِيَتْ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: الذَّحْلُ: الثَّأْرُ، أَوْ طَلَبُ مُكَافَأَةٍ بِجِنَايَةٍ جُنِيَتْ عَلَيْك أَوْ عَدَاوَةٍ أَتَتْ إلَيْكَ أَوْ الْعَدَاوَةُ وَالْحِقْدُ، الْجَمْعُ أَذْحَالٌ وَذُحُولٌ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا عَلَى مَا تَرْجَمَ الْبَابَ بِهِ مِنْ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ فِي حَقِّ الْأُسَارَى، وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْأَمْرَ فِي الْأُسَارَى الْكَفَرَةِ مِنْ الرِّجَالِ إلَى الْإِمَامِ يَفْعَلُ مَا هُوَ الْأَحْظَى لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَطَائِفَةٌ: لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْفِدَاءِ مِنْ أَسْرَى الْكُفَّارِ أَصْلًا، وَعَنْ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute