بَابُ حُكْمِ الْأَرْضِينَ الْمَغْنُومَةِ
٣٤٣٧ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوهَا فَأَقَمْتُمْ فِيهَا فَسَهْمُكُمْ فِيهَا، وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ خُمُسَهَا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ هِيَ لَكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ) .
٣٤٣٨ - (وَعَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ قَالَ: «قَالَ عُمَرُ: أَمَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبَانًا لَيْسَ لَهُمْ مِنْ شَيْءٍ مَا فُتِحَتْ عَلَيَّ قَرْيَةٌ إلَّا قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ
ــ
[نيل الأوطار]
الْحَنَفِيَّةِ إذَا كَانَ إسْلَامُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، قَالُوا: وَإِنْ كَانَ إسْلَامُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَتْ أَمْوَالُهُ جَمِيعُهَا فَيْئًا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْمَنْقُولِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَطْفَالَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ سَبْيُهُمْ. وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّرَ عَقِيلًا عَلَى تَصَرُّفِهِ فِيمَا كَانَ لِأَخَوَيْهِ عَلِيٍّ وَجَعْفَرٍ، وَلِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الدُّورِ وَالرُّبَاعِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يُغَيِّرْ ذَلِكَ وَلَا انْتَزَعَهَا مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ لَمَّا ظَفَرَ فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى تَقْرِيرِ مَنْ بِيَدِهِ دَارٌ أَوْ أَرْضٌ إذَا أَسْلَمَ وَهِيَ فِي يَدِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
وَقَدْ بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ عَلَى قِصَّةِ عَقِيلٍ هَذِهِ فَقَالَ: بَابُ إذَا أَسْلَمَ قَوْمٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَهُمْ مَالٌ وَأَرْضُونَ فَهِيَ لَهُمْ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْبُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَّ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِأَمْوَالِهِمْ وَدُورِهِمْ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا، فَتَقْرِيرُ مَنْ أَسْلَمَ يَكُونُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى قَوْلُهُ: (فَأَخَذْتُهَا) الْآخِذُ: هُوَ صَخْرٌ الْمَذْكُورُ. قَوْلُهُ: (قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعَبْدِ. . . إلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ عَبِيدِ الْكُفَّارِ قَبْلَ إسْلَامِهِمْ صَارَ حُرًّا بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَبِيدَ الَّذِينَ يَفِرُّونَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ عُتَقَاءُ اللَّهِ، وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ إسْلَامِ سَيِّدِهِ كَانَ مَمْلُوكًا لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ إسْلَامَ السَّيِّدِ قَدْ أَحْرَزَ مَالَهُ وَدَمَهُ، وَالْعَبْدُ مِنْ جُمْلَةِ أَمْوَالِهِ.
وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا إلَّا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لِقَوْلِهِ فِيهِ: «فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ» فَلَوْ حُكِمَ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ إذَا أَسْلَمَ لَكَانَ بَعْضُ مَالِهِ خَارِجًا عَنْ الْعِصْمَةِ، وَهَكَذَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثُ صَخْرٍ الْمَذْكُورُ. وَأَحَادِيثُ الْبَابِ الْأَوَّلِ تَدُلُّ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورُ مِنْ أَنَّ عَبْدَ الْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ صَارَ حُرًّا بِإِسْلَامِهِ، فَقَدْ دَلَّ عَلَى جَمِيعِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ التَّفْضِيلِ غَيْرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ فَلَا يَضُرُّ إرْسَالُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute