. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
وَالْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِلِ.
وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي شُرَيْحٍ تَقَدَّمَا فِي بَابِ: هَلْ يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ وَالْحُدُودُ فِي الْحَرَمِ أَمْ لَا، مِنْ كِتَابِ الدِّمَاءِ.
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أُمِّ مُسَيْكَةَ وَذَكَرَ غَيْرُهُمَا أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ.
وَحَدِيثُ عَلْقَمَةَ بْنِ نَضْلَةَ رِجَالُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ، فَإِنَّ ابْنَ مَاجَهْ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ نَضْلَةَ فَذَكَرَهُ، وَعُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ثِقَتَانِ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ وَعِيسَى فَمِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ.
قَوْلُهُ: (لَنُرْبَيَنَّ) أَيْ لَنَزِيدَنَّ عَلَيْهِمْ.
وَفِي حَدِيثِ سَعْدٍ وَحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ صُلْحًا. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ، فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا لِمَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ التَّأْمِينِ وَلِأَنَّهَا لَمْ تُقْسَمْ وَلِأَنَّ الْغَانِمِينَ لَمْ يَمْلِكُوا دُورَهَا، وَإِلَّا لَجَازَ إخْرَاجُ أَهْلِ الدُّورِ مِنْهَا. وَحُجَّةُ الْأَوَّلِينَ مَا وَقَعَ مِنْ التَّصْرِيحِ بِالْأَمْرِ بِالْقِتَالِ وَوُقُوعِهِ مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَتَصْرِيحِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهَا أُحِلَّتْ لَهُ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَنَهْيِهِ مِنْ التَّأَسِّي بِهِ فِي ذَلِكَ كَمَا وَقَعَ جَمِيعُ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ تَصْرِيحًا وَإِشَارَةً.
وَأَجَابُوا عَنْ تَرْكِ الْقِسْمَةِ بِأَنَّهَا لَا تَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْعَنْوَةِ، فَقَدْ تُفْتَحُ الْبَلَدُ عَنْوَةً وَيُمَنُّ عَلَى أَهْلِهَا وَتُتْرَكُ لَهُمْ دُورُهُمْ وَغَنَائِمُهُمْ، وَلِأَنَّ قِسْمَةَ الْأَرْضِ الْمَغْنُومَةِ لَيْسَتْ مُتَّفَقًا عَلَيْهَا، بَلْ الْخِلَافُ ثَابِتٌ عَنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَقَدْ فُتِحَتْ أَكْثَرُ الْبِلَادِ عَنْوَةً فَلَمْ تُقْسَمْ وَذَلِكَ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ مَعَ وُجُودِ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ. وَقَدْ زَادَتْ مَكَّةُ عَنْ ذَلِكَ بِأَمْرٍ يُمْكِنُ أَنْ يُدْعَى اخْتِصَاصُهَا بِهِ دُونَ بَقِيَّةِ الْبِلَادِ، وَهِيَ أَنَّهَا دَارُ النُّسُكِ وَمُتَعَبَّدُ الْخَلْقِ، وَقَدْ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى حَرَمًا سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ. وَأَمَّا قَوْلُ النَّوَوِيِّ: احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَالَحَهُمْ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ إنْ كَانَ مُرَادُهُ مَا وَقَعَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ» كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَمَا عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى صُلْحًا إلَّا إذَا الْتَزَمَ مَنْ أُشِيرَ إلَيْهِ بِذَلِكَ الْكَفِّ عَنْ الْقِتَالِ، وَاَلَّذِي وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ قُرَيْشًا لَمْ يَلْتَزِمُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ اسْتَعَدُّوا لِلْحَرْبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثٍ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ قُرَيْشًا وَبَّشَتْ أَوْبَاشًا، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِالصُّلْحِ وُقُوعَ عَقْدِهِ فَهَذَا لَمْ يُنْقَلْ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ.
قَالَ: وَلَا أَظُنُّهُ عَنَى إلَّا الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ، أَعْنِي قَوْلَهُ: " مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ " وَتَمَسَّكَ أَيْضًا مَنْ قَالَ: إنَّهُ أَمَّنَهُمْ بِمَا وَقَعَ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ فِي سِيَاقِ قِصَّةِ الْفَتْحِ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: لِعَلِيٍّ أَجِدُ بَعْضَ الْحَطَّابَةِ أَوْ صَاحِبَ لَبَنٍ أَوْ ذَا حَاجَةٍ يَأْتِي مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِمَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَخْرُجُوا إلَيْهِ فَيَسْتَأْمِنُوهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا عَنْوَةً، ثُمَّ قَالَ فِي الْقِصَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute