للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَاب ثُبُوت الْأَمَانِ لِلْكَافِرِ إذَا كَانَ رَسُولًا

٣٤٦٢ - (عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «جَاءَ ابْنُ النَّوَّاحَةِ وَابْنُ أُثَالٍ رَسُولَا مُسَيْلِمَةَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُمَا: أَتَشْهَدَانِ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَا: نَشْهَدُ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ

ــ

[نيل الأوطار]

هَذِهِ غُدْرَةُ فُلَانٍ " قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَمَّا الْوَفَاءُ فَلَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَقَعَ كَذَلِكَ. وَقَدْ ثَبَتَ لِوَاءُ الْحَمْدِ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْغَدْرِ وَغِلَظِهِ لَا سِيَّمَا مِنْ صَاحِبِ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ غَدْرَهُ يَتَعَدَّى ضَرَرَهُ إلَى خَلْقٍ كَثِيرٍ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَى الْغَدْرِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْوَفَاءِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: الْمَشْهُورُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي ذَمِّ الْإِمَامِ إذَا غَدَرَ فِي عُهُودِهِ لِرَعِيَّتِهِ أَوْ لِمُقَابَلَتِهِ أَوْ لِلْإِمَامَةِ الَّتِي تَقَلَّدَهَا وَالْتَزَمَ الْقِيَامَ بِهَا. فَمَنْ حَافَ فِيهَا أَوْ تَرَكَ الرِّفْقَ فَقَدْ غَدَرَ بِعَهْدِهِ. وَقِيلَ الْمُرَادُ نَهْيُ الرَّعِيَّةِ عَنْ الْغَدْرِ بِالْإِمَامِ فَلَا تَخْرُجُ عَلَيْهِ وَلَا تَتَعَرَّضُ لِمَعْصِيَتِهِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْفِتْنَةِ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا أَدْرِي مَا الْمَانِعُ مِنْ حَمْلِ الْخَبَرِ عَلَى أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ. وَحَكَى فِي الْفَتْحِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الْغَدْرَ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ سَوَاءٌ كَانَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ.

قَوْلُهُ: (يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ) أَيْ أَقَلُّهُمْ، فَدَخَلَ كُلُّ وَضِيعٍ بِالنَّصِّ، وَكُلُّ شَرِيفٍ بِالْفَحْوَى، وَدَخَلَ فِي الْأَدْنَى الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ.، فَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ الْمُتَقَدِّمُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى جَوَازِ أَمَانِ الْمَرْأَةِ إلَّا شَيْئًا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ صَاحِبُ مَالِكٍ لَا أَحْفَظُ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ. قَالَ: إنَّ أَمْرَ الْأَمَانِ إلَى الْإِمَامِ، وَتَأَوَّلَ مَا وَرَدَ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ عَلَى قَضَايَا خَاصَّةٍ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ " دَلَالَةٌ عَلَى إغْفَالِ هَذَا الْقَائِلِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَجَاءَ عَنْ سَحْنُونَ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، فَقَالَ: هُوَ إلَى الْإِمَامِ إنْ أَجَازَهُ جَازَ، وَإِنْ رَدَّهُ رُدَّ انْتَهَى.

وَأَمَّا الْعَبْدُ فَأَجَازَ الْجُمْهُورُ أَمَانَهُ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ قَاتَلَ جَازَ أَمَانُهُ وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ سَحْنُونٌ: إنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْقِتَالِ صَحَّ أَمَانُهُ وَإِلَّا فَلَا. وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ أَمَانَ الصَّبِيِّ غَيْرُ جَائِزٍ. قَالَ الْحَافِظُ: وَكَلَامُ غَيْرِهِ يُشْعِرُ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمُرَاهِقِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا الْمُمَيِّزُ الَّذِي يَعْقِلُ، وَالْخِلَافُ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَلَا يَصِحُّ أَمَانُهُ بِخِلَافٍ كَالْكَافِرِ، لَكِنْ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إنْ غَزَا الذِّمِّيُّ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَأَمَّنَ أَحَدًا فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ أَمْضَاهُ وَإِلَّا فَلْيَرُدَّهُ إلَى مَأْمَنِهِ. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ الْأَسِيرَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ، فَقَالَ: لَا يَنْفُذُ أَمَانُهُ وَكَذَلِكَ الْأَجِيرُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>