. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَوْلُهُ: (فَلَمَّا أَبَى الْكُفَّارُ أَنْ يُقِرُّوا. . . إلَخْ) أَيْ أَبَوْا أَنْ يَعْمَلُوا بِالْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي النِّكَاحِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: ١٠] قَالَ: مَنْ ذَهَبَ مِنْ أَزْوَاجِ الْمُسْلِمِينَ إلَى الْكُفَّارِ فَلْيُعْطِهِمْ الْكُفَّارُ صَدَقَاتِهِنَّ وَلْيُمْسِكُوهُنَّ، وَمَنْ ذَهَبَ مِنْ أَزْوَاجِ الْكُفَّارِ إلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ فَكَذَلِكَ، هَذَا كُلُّهُ فِي صُلْحٍ بَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ قُرَيْشٍ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي كِتَابِ الشُّرُوطِ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا أَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا بِمَا أَنْفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ كَمَا فِي الْآيَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا جَاءَتْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلَى الْمُسْلِمِينَ مُسْلِمَةً لَمْ يَرُدُّهَا الْمُسْلِمُونَ إلَى زَوْجِهَا الْمُشْرِكِ بَلْ يُعْطُونَهُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ صَدَاقٍ وَنَحْوِهِ، وَكَذَا بِعَكْسِهِ، فَامْتَثَلَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ وَأَعْطَوْهُمْ وَأَبَى الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَمْتَثِلُوا ذَلِكَ، فَحَبَسُوا مَنْ جَاءَتْ إلَيْهِمْ مُشْرِكَةً وَلَمْ يُعْطُوا زَوْجَهَا الْمُسْلِمَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا، فَلِهَذَا نَزَلَتْ: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ} [الممتحنة: ١١] أَيْ أَصَبْتُمْ مِنْ صَدَقَاتِ الْمُشْرِكَاتِ عِوَضَ مَا فَاتَ مِنْ صَدَقَاتِ الْمُسْلِمَاتِ قَوْلُهُ: (وَمَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ. . . إلَخْ) هَذَا النَّفْيَ لَا يُرِدْهُ ظَاهِرُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ وَالْقِصَّةُ؛ لِأَنَّ مَضْمُونَ الْقِصَّةِ أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ الْمُسْلِمِينَ ذَهَبَتْ إلَى زَوْجِهَا الْكَافِرِ فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَ زَوْجَهَا الْمُسْلِمَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا، فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ مُسْلِمَةً فَالنَّفْيُ مَخْصُوصٌ بِالْمُهَاجِرَاتِ، فَيُحْتَمَلُ كَوْنُ مَنْ وَقَعَ مِنْهَا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْمُهَاجِرَاتِ كَالْأَعْرَابِيَّاتِ مَثَلًا أَوْ الْحَصْرُ عَلَى عُمُومِهِ، وَتَكُونُ نَزَلَتْ فِي الْمَرْأَةِ الْمُشْرِكَةِ إذَا كَانَتْ تَحْتَ مُسْلِمٍ مَثَلًا فَهَرَبَتْ مِنْهُ إلَى الْكُفَّارِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ الْحَسَنِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} [الممتحنة: ١١] قَالَ: نَزَلَتْ فِي أُمِّ الْحَكَمِ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ ارْتَدَّتْ فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ ثَقَفِيٌّ، وَلَمْ تَرْتَدَّ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ غَيْرُهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ مَعَ ثَقِيفٍ حِينَ أَسْلَمُوا، فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ الْحَصْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ، أَوْ يُجْمَعُ بِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ هَاجَرَتْ فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ
قَوْلُهُ: (الْأَحَابِيشُ) لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ هَذَا اللَّفْظِ وَلَكِنَّهُ مَذْكُورٌ فِي غَيْرِهِ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ هَذِهِ الْقِصَّةِ " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ عَيْنًا مِنْ خُزَاعَةَ، فَتَلَقَّاهُ فَقَالَ: إنَّ قُرَيْشًا قَدْ جَمَعُوا لَك الْأَحَابِيشَ وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنْ الْبَيْتِ، «فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَشِيرُوا عَلَيَّ، أَتَرَوْنَ أَنْ أَمِيلَ عَلَى ذَرَارِيِّهِمْ، فَإِنْ يَأْتُونَا كَانَ اللَّهُ قَدْ قَطَعَ جَنْبًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَإِلَّا تَرَكْنَاهُمْ مَحْرُوبِينَ، فَأَشَارَ إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ بِتَرْكِ ذَلِكَ، فَقَالَ: امْضُوا بِسْمِ اللَّهِ» وَالْأَحَابِيشُ هُمْ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ وَبَنُو الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ وَالْقَارَّةُ وَهُوَ ابْنُ الْهَوْنِ بْنُ خُزَيْمَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute