)
٣٤٧٧ -
ــ
[نيل الأوطار]
رَجُلٌ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا خَرَجَ قُلْتُ لَهُ: مَا قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِيكُمْ؟ قَالَ: شَرٌّ: الْإِسْلَامُ أَوْ الْقَتْلُ» وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: قَبِلَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَخَذَ النَّاسُ بِقَوْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَتَرَكُوا مَا سَمِعْتُ
وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ حُذَيْفَةَ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ أَصْحَابِي أَخَذُوا الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ مَا أَخَذْتُهَا.
وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ بِالْمَجُوسِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» وَهَذَا مُنْقَطِعٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْغَرَائِبِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ عَنْ مَالِكٍ، فَزَادَ فِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَيْ جَدِّ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ أَيْضًا مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ جَدَّهُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ لَمْ يَلْحَقْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَلَا عُمَرَ، فَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ فِي جَدِّهِ يَعُودُ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ فَيَكُونُ مُتَّصِلًا؛ لِأَنَّ جَدَّهُ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - سَمِعَ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمِ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي آخِرِ حَدِيثٍ بِلَفْظِ «سُنُّوا بِالْمَجُوسِ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا مِنْ الْكَلَامِ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ سُنَّةُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ فَقَطْ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: " سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ " عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ، لَكِنْ رَوَى الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ كَانَ الْمَجُوسُ أَهْلَ كِتَابٍ يَدْرُسُونَهُ وَعِلْمٍ يَقْرَءُونَهُ، فَشَرِبَ أَمِيرُهُمْ الْخَمْرَ فَوَقَعَ عَلَى أُخْتِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ دَعَا أَهْلَ الطَّمَعِ فَأَعْطَاهُمْ وَقَالَ: إنَّ آدَمَ كَانَ يُنْكِحُ أَوْلَادَهُ بَنَاتِهِ، فَأَطَاعُوهُ، وَقَتَلَ مَنْ خَالَفَهُ، فَأَسْرَى عَلَى كِتَابِهِمْ وَعَلَى مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْهُ فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبُرُوجِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ أَبْزَى: لَمَّا هَزَمَ الْمُسْلِمُونَ أَهْلَ فَارِسٍ. قَالَ عُمَرُ: اجْتَمِعُوا فَقَالَ: إنَّ الْمَجُوسَ لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ فَنَضَعُ عَلَيْهِمْ، وَلَا مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ فَنُجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامَهُمْ، فَقَالَ عَلِيٌّ: بَلْ هُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، لَكِنْ قَالَ: وَقَعَ عَلَى ابْنَتِهِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَوَضَعَ الْأُخْدُودَ لِمَنْ خَالَفَهُ، فَهَذَا حُجَّةُ مَنْ قَالَ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ بَطَّالٍ: لَوْ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ وَرُفِعَ لَرُفِعَ حُكْمُهُ، وَلَمَا اسْتَثْنَى حِلَّ ذَبَائِحِهِمْ وَنِكَاحَ نِسَائِهِمْ.
فَالْجَوَابُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَقَعَ لِلْأَثَرِ الْوَارِدِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ شُبْهَةً تَقْتَضِي حَقْنَ الدَّمِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ مِمَّنْ يُحْتَاطُ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَيْسَ تَحْرِيمُ نِكَاحِهِمْ وَذَبَائِحِهِمْ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ الْأَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَيْهِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ
قَوْلُهُ: (حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ. . . إلَخْ) فِيهِ الْإِخْبَارُ مِنْ الْمُغِيرَةِ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقِتَالِ الْمَجُوسِ حَتَّى يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ، زَادَ الطَّبَرَانِيُّ " وَإِنَّا وَاَللَّهِ لَا نَرْجِعُ إلَى ذَلِكَ الشَّقَاءِ حَتَّى نَغْلِبَكُمْ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute