للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الرَّجُلَ فَعَلَهُ، وَأَقَرَّهُ عُمَرُ، وَمَنْ حَضَرَ ذَلِكَ الْجَمْعَ، وَهُمْ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا تَرَكَهُ وَلَأَلْزَمُوهُ بِهِ، وَبِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي، وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَبِحَدِيثِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ، وَسَيَأْتِي فِي هَذَا الْبَابِ. وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ جَعْلُهُ قَرِينًا لِلتَّبْكِيرِ وَالْمَشْيِ وَالدُّنُوِّ مِنْ الْإِمَامِ، وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فَيَكُونُ مِثْلَهَا.

وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْآتِي، وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ أَنَّهُمْ إنَّمَا أُمِرُوا بِالِاغْتِسَالِ لِأَجْلِ تِلْكَ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ، فَإِذَا زَالَتْ زَالَ الْوُجُوبُ. وَأَجَابُوا عَنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي صُرِّحَ فِيهَا بِالْأَمْرِ، أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّدْبِ وَالْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ عَنْ الْوُجُوبِ هَذِهِ الْأَدِلَّةُ الْمُتَعَاضِدَةُ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ مَا أَمْكَنَ هُوَ الْوَاجِبُ، وَقَدْ أَمْكَنَ بِهَذَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَاجِبٌ، وَقَوْلُهُ حَقٌّ، فَالْمُرَادُ مُتَأَكِّدٌ فِي حَقِّهِ، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ: حَقُّك عَلَيَّ، وَمُوَاصَلَتُك حَقٌّ عَلَيَّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْوُجُوبُ الْمُتَحَتِّمُ الْمُسْتَلْزِمُ لِلْعِقَابِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ مُتَأَكِّدٌ حَقِيقٌ بِأَنْ لَا يُخَلَّ بِهِ، وَاسْتَضْعَفَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَقَالَ: إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ إذَا كَانَ الْمُعَارِضُ رَاجِحًا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى هَذَا لظَّاهِرِ، وَأَقْوَى مَا عَارَضُوا بِهِ حَدِيثُ: «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» وَلَا يُقَاوِمُ سَنَدُهُ سَنَدَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، انْتَهَى.

وَأَمَّا حَدِيثُ «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ» فَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: لَيْسَ فِيهِ نَفْيُ الْغُسْلِ، وَقَدْ وَرَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي الصَّحِيحِ بِلَفْظِ: " مَنْ اغْتَسَلَ " فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الْوُضُوءِ لِمَنْ تَقَدَّمَ غُسْلُهُ عَلَى الذَّهَابِ فَاحْتَاجَ إلَى إعَادَةِ الْوُضُوءِ انْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ الرَّجُلِ الَّذِي دَخَلَ وَعُمَرُ يَخْطُبُ وَهُوَ عُثْمَانُ كَمَا سَيَأْتِي، فَمَا أُرَاهُ إلَّا حُجَّةً عَلَى الْقَائِلِ بِالِاسْتِحْبَابِ لَا لَهُ؛ لِأَنَّ إنْكَارَ عُمَرَ عَلَى رَأْسِ الْمِنْبَرِ فِي ذَلِكَ الْجَمْعِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ الصَّحَابِيِّ الْجَلِيلِ، وَتَقْرِيرَ جَمْعِ الْحَاضِرِينَ الَّذِينَ هُمْ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ لِمَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ الْإِنْكَارِ، مِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِأَنَّ الْوُجُوبَ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ الصَّحَابَةِ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عِنْدَهُمْ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ لَمَا عَوَّلَ ذَلِكَ الصَّحَابِيُّ فِي الِاعْتِذَارِ عَلَى غَيْرِهِ، فَأَيُّ تَقْرِيرٍ مِنْ عُمَرَ وَمَنْ حَضَرَ بَعْدَ هَذَا.

وَلَعَلَّ النَّوَوِيَّ وَمَنْ مَعَهُ ظَنُّوا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الِاغْتِسَالُ وَاجِبًا لَنَزَلَ عُمَرُ مِنْ مِنْبَرِهِ، وَأَخَذَ بِيَدِ ذَلِكَ الصَّحَابِيِّ وَذَهَبَ بِهِ إلَى الْمُغْتَسِلِ، أَوْ لَقَالَ لَهُ: لَا تَقِفْ فِي هَذَا الْجَمْعِ أَوْ اذْهَبْ فَاغْتَسِلْ فَإِنَّا سَنَنْظُرُك أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، مِثْلُ هَذَا لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ رَأَى الْإِخْلَالَ بِوَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَغَايَةُ مَا كُلِّفْنَا بِهِ فِي إنْكَارٍ عَلَى مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا هُوَ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ عَلَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ اغْتَسَلَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ، لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ أَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَكُنْ يَمْضِي عَلَيْهِ يَوْمٌ حَتَّى يُفِيضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَعْتَذِرْ لِعُمَرَ بِذَلِكَ كَمَا اعْتَذَرَ عَنْ التَّأَخُّرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ غُسْلُهُ بِذَهَابِهِ إلَى الْجُمُعَةِ.

وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، أَنَّ قِصَّةَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ لَا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>