بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ وَيُكْرَهُ مِنْ الْخَيْلِ وَاخْتِيَارِ تَكْثِيرِ نَسْلِهَا
ــ
[نيل الأوطار]
صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ صَبْرِ الرُّوحِ وَعَنْ إخْصَاءِ الْبَهَائِمِ نَهْيًا شَدِيدًا» .
وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الثَّانِي فِي إسْنَادِهِ أَبُو يَحْيَى الْقَتَّاتُ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ: (لُعِنَ مَنْ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا) الْغَرَضُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ: وَهُوَ الْمَنْصُوبُ لِلرَّمْيِ، وَاللَّعْنُ: دَلِيلُ التَّحْرِيمِ. قَوْلُهُ: (أَنْ تُصَبَّرَ الْبَهَائِمُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ: أَيْ تُحْبَسَ لِتُرْمَى حَتَّى تَمُوتَ، وَأَصْلُ الصَّبْرِ: الْحَبْسُ قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: صَبْرُ الْبَهَائِمِ أَنْ تُحْبَسَ وَهِيَ حَيَّةٌ لِتُقْتَلَ بِالرَّمْيِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ مَعْنَى «لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا» أَيْ لَا تَتَّخِذُوا الْحَيَوَانَ الْحَيَّ غَرَضًا تَرْمُونَ إلَيْهِ كَالْغَرَضِ مِنْ الْجُلُودِ وَغَيْرِهَا. وَهَذَا النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا وَرَدَ مِنْ لَعْنِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ وَإِتْلَافِ نَفْسِهِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ التَّحْرِيمُ قَوْلُهُ: (دَجَاجَةً) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَفِي الْقَامُوسِ: وَالدَّجَاجَةُ مَعْرُوفٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَتُثَلَّثُ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُفَسِّرَةٌ لِمَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ " نَصَبُوا طَيْرًا " قَوْلُهُ: (عَنْ إخْصَاءِ الْخَيْلِ) الْإِخْصَاءُ: سَلُّ الْخُصْيَةِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَخَصَاهُ خَصْيًا: سَلَّ خُصْيَتَهُ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ خَصْيِ الْحَيَوَانَاتِ، وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ " فِيهَا نَمَاءُ الْخَلْقِ " أَيْ زِيَادَتُهُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْخَصْيَ مِمَّا تَنْمُو بِهِ الْحَيَوَانَاتُ، وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ مَا كَانَ جَالِبًا لِنَفْعٍ يَكُونُ حَلَالًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ عَدَمِ الْمَانِعِ، وَإِيلَامُ الْحَيَوَانِ هَهُنَا مَانِعٌ لِأَنَّهُ إيلَامٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الشَّارِعُ بَلْ نَهَى عَنْهُ قَوْلُهُ: (عَنْ التَّحْرِيشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: التَّحْرِيشُ: الْإِغْرَاءُ بَيْنَ الْقَوْمِ أَوْ الْكِلَابِ اهـ. فَجَعَلَهُ مُخْتَصًّا بِبَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْإِغْرَاءَ بَيْنَ مَا عَدَا الْكِلَابَ مِنْ الْبَهَائِمِ يُقَالُ لَهُ تَحْرِيشٌ. وَوَجْهُ النَّهْيِ أَنَّهُ إيلَامٌ لِلْحَيَوَانَاتِ وَإِتْعَابٌ لَهَا بِدُونِ فَائِدَةٍ بَلْ مُجَرَّدُ عَبَثٍ.
قَوْلُهُ: (وَعَنْ وَسْمِ الْوَجْهِ) الْوَسْمُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ، كَذَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَاتِ وَكُتُبِ الْحَدِيثِ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُهُ بِالْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُعْجَمَةِ، وَبَعْضُهُمْ فَرَّقَ فَقَالَ بِالْمُهْمَلَةِ فِي الْوَجْهِ وَبِالْمُعْجَمَةِ فِي سَائِرِ الْجَسَدِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ وَسْمِ الْحَيَوَانِ فِي وَجْهِهِ، وَهُوَ مَعْنَى النَّهْيِ حَقِيقَةً وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ اللَّعْنُ الْوَارِدُ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْعَنُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مَنْ فَعَلَ مُحَرَّمًا، وَكَذَلِكَ ضَرْبُ الْوَجْهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَمَّا الضَّرْبُ فِي الْوَجْهِ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي كُلِّ الْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ مِنْ الْآدَمِيِّ وَالْحَمِيرِ وَالْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالْبِغَالِ وَالْغَنَمِ وَغَيْرِهَا لَكِنَّهُ فِي الْآدَمِيِّ أَشَدُّ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ مَعَ أَنَّهُ لَطِيفٌ يَظْهَرُ فِيهِ أَثَرُ الضَّرْبِ وَرُبَّمَا شَانَهُ وَرُبَّمَا آذَى بَعْضَ الْحَوَاسِّ.
قَالَ: وَأَمَّا الْوَسْمُ فِي الْوَجْهِ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ لِلْحَدِيثِ وَلِمَا ذَكَرْنَاهُ فَأَمَّا الْآدَمِيُّ فَوَسْمُهُ حَرَامٌ لِكَرَامَتِهِ وَلِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ تَعْذِيبُهُ. وَأَمَّا غَيْرُ الْآدَمِيِّ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: يُكْرَهُ. وَقَالَ الْبَغَوِيّ مِنْ أَصْحَابِنَا: لَا يَجُوزُ فَأَشَارَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute