. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
ذَلِكَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ مَعَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ بِحُضُورِهِ، فَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْهُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَطْعَمَهُمْ لُحُومَ الْخَيْلِ» وَفِي الْأُخْرَى " أَنَّهُمْ سَافَرُوا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ كَانَ فِي خَيْبَرَ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِهَا، وَلَوْ فَرَضْنَا ثُبُوتَ حَدِيثِ خَالِدٍ وَسَلَامَتَهُ عَنْ الْعِلَلِ لَمْ يَنْتَهِضْ لِمُعَارَضَةِ حَدِيثِ جَابِرٍ وَأَسْمَاءَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِمَا مَعَ أَنَّهُ قَدْ ضَعَّفَ حَدِيثَ خَالِدٍ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُوسَى بْنُ هَارُونَ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْخَطَّابِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَعَبْدُ الْحَقِّ وَآخَرُونَ.
وَمِنْ جُمْلَةِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِالتَّحْرِيمِ قَوْله تَعَالَى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: ٨] وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَا أَكْثَرُ الْقَائِلِينَ بِالتَّحْرِيمِ، وَقَرَّرُوا ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّامَ لِلتَّعْلِيلِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تُخْلَقْ لِغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمَنْصُوصَةَ تُفِيدُ الْحَصْرَ، فَإِبَاحَةُ أَكْلِهَا تَقْتَضِي خِلَافَ الظَّاهِرِ مِنْ الْآيَةِ، وَقَرَّرُوهُ أَيْضًا بِأَنَّ الْعَطْفَ يُشْعِرُ بِالِاشْتِرَاكِ فِي الْحُكْمِ، وَبِأَنَّ الْآيَةَ سِيقَتْ مَسَاقَ الِامْتِنَانِ، فَلَوْ كَانَ يُنْتَفَعُ بِهَا فِي الْأَكْلِ لَكَانَ الِامْتِنَانُ بِهِ أَعْظَمَ. وَأُجِيبَ إجْمَالًا بِأَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ اتِّفَاقًا، وَالْإِذْنُ كَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَأَيْضًا لَيْسَتْ نَصًّا فِي مَنْعِ الْأَكْلِ، وَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي الْحِلِّ.
وَأُجِيبَ أَيْضًا تَفْصِيلًا بِأَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ اللَّامَ لِلْعِلَّةِ لَمْ نُسَلِّمْ إفَادَتَهُ الْحَصْرَ فِي الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ فَإِنَّهُ يَنْتَفِعُ بِالْخَيْلِ فِي غَيْرِهِمَا وَفِي غَيْرِ الْأَكْلِ اتِّفَاقًا، وَنَظِيرُ ذَلِكَ حَدِيثُ الْبَقَرَةِ الْمَذْكُورِ فِي الصَّحِيحَيْنِ حِينَ خَاطَبَتْ رَاكِبَهَا فَقَالَتْ: إنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا إنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ، فَإِنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ أَصَرْحَ فِي الْحَصْرِ لِكَوْنِهِ بِإِنَّمَا مَعَ اللَّامِ لَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى تَحْرِيمِ أَكْلِهَا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْأَغْلَبُ مِنْ الْمَنَافِعِ وَهُوَ الرُّكُوبُ فِي الْخَيْلِ وَالتَّزَيُّنُ بِهَا وَالْحَرْثُ فِي الْبَقَرِ. وَأَيْضًا يَلْزَمُ الْمُسْتَدِلَّ بِالْآيَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْأَثْقَالِ عَلَى الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَلَا قَائِلَ بِهِ. وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِالْعَطْفِ فَغَايَتُهُ دَلَالَةُ الِاقْتِرَانِ وَهِيَ مِنْ الضَّعْفِ بِمَكَانٍ. وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِالِامْتِنَانِ فَهُوَ بِاعْتِبَارِ غَالِبِ الْمَنَافِعِ. قَوْلُهُ: (ذَبَحْنَا فَرَسًا) لَفْظُ الْبُخَارِيِّ " نَحَرْنَا فَرَسًا " وَقَدْ جُمِعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِحَمْلِ النَّحْرِ عَلَى الذَّبْحِ مَجَازًا، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ قَوْلُهُ: (يَأْكُلُ لَحْمَ دَجَاجٍ) هُوَ اسْمُ جِنْسٍ مُثَلَّثِ الدَّالِ، ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ وَابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُمَا، وَلَمْ يَحْكِ النَّوَوِيُّ أَنَّ ذَلِكَ مُثَلَّثٌ، وَقِيلَ: إنَّ الضَّمَّ ضَعِيفٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: دَخَلَتْهَا التَّاءُ لِلْوَحْدَةِ مِثْلُ الْحَمَامَةِ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: إنَّ الدَّجَاجَةَ بِالْكَسْرِ اسْمٌ لِلذُّكْرَانِ دُونَ الْإِنَاثِ وَالْوَاحِدُ مِنْهَا دِيكٌ، وَبِالْفَتْحِ الْإِنَاثُ دُونَ الذُّكْرَانِ وَالْوَاحِدَةُ دَجَاجَةٌ بِالْفَتْحِ أَيْضًا وَفِي الْقَامُوسِ: وَالدَّجَاجَةُ مَعْرُوفٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَتُثَلَّثُ اهـ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُهُ.
وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ: وَهُوَ أَنَّ رَجُلًا امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِ الدَّجَاجِ وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ فَأَفْتَاهُ أَبُو مُوسَى بِأَنَّهُ يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَأْكُلُ وَقَصَّ لَهُ الْحَدِيث.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute