٣٦٠٠ - (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحَيَّةُ، وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْحُدَيَّا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ) .
ــ
[نيل الأوطار]
عَلَى لَفْظِ الْوَاحِدَةِ، وَجَوَالٌ كَدَابَّةٍ وَدَوَابَّ، يُقَالُ: جَلَّتْ الدَّابَّةُ الْجَلَّةَ وَأَجَلَّتْهَا فَهِيَ جَالَّةٌ وَجَلَّالَةٌ. وَسَوَاءٌ فِي الْجَلَّالَةِ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَالْإِبِلُ وَغَيْرُهَا كَالدَّجَاجِ وَالْأَوِزِّ وَغَيْرِهِمَا. وَادَّعَى ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهَا لَا تَقَعُ إلَّا عَلَى ذَاتِ الْأَرْبَعِ خَاصَّةً، ثُمَّ قِيلَ إنْ كَانَ أَكْثَرُ عَلَفِهَا النَّجَاسَةَ فَهِيَ جَلَّالَةٌ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ عَلَفِهَا الطَّاهِرَ فَلَيْسَتْ جَلَّالَةً، وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيٌّ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا اعْتِدَادَ بِالْكُثْرِ بَلْ بِالرَّائِحَةِ وَالنَّتِنِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ رِيحُ مَرَقِهَا أَوْ لَحْمِهَا أَوْ طَعْمِهَا أَوْ لَوْنِهَا فَهِيَ جَلَّالَةٌ، وَالنَّهْيُ حَقِيقَةٌ فِي التَّحْرِيمِ، فَأَحَادِيثُ الْبَابِ ظَاهِرُهَا تَحْرِيمُ أَكْلِ لَحْمِ الْجَلَّالَةِ وَشُرْبِ لَبَنِهَا وَرُكُوبِهَا.
وَقَدْ ذَهَبَتْ الشَّافِعِيَّةُ إلَى تَحْرِيمِ أَكْلِ لَحْمِ الْجَلَّالَةِ. وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَقِيلَ يُكْرَهُ فَقَطْ كَمَا فِي اللَّحْمِ الْمُذَكَّى إذَا أَنْتَنَ. قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَوْ غَذَّى شَاةً عَشْرَ سِنِينَ بِأَكْلٍ حَرَامٍ لَمْ يُحَرَّمْ أَكْلُهَا وَلَا عَلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا أَحَدُ احْتِمَالَيْ الْبَغَوِيّ. وَإِذَا قُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ أَوْ الْكَرَاهَةِ فَإِنْ عُلِفَتْ طَاهِرًا فَطَابَ لَحْمُهَا حَلَّ لِأَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ التَّغَيُّرُ وَقَدْ زَالَتْ. قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: وَنَقَلَ الْإِمَامُ فِيهِ الِاتِّفَاقَ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: كَرِهَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالُوا: لَا تُؤْكَلُ حَتَّى تُحْبَسَ أَيَّامًا.
وَفِي حَدِيثِ «إنَّ الْبَقَرَ تُعْلَفُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يُؤْكَلُ لَحْمُهَا» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَحْبِسُ الدَّجَاجَةَ ثَلَاثًا وَلَمْ يَرَ بِأَكْلِهَا بَأْسًا مَالِكٌ مِنْ دُونِ حَبْسٍ. اهـ. قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ: وَلَيْسَ لِلْحَبْسِ مُدَّةٌ مُقَدَّرَةٌ. وَعَنْ بَعْضِهِمْ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، وَفِي الْغَنَمِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ، وَفِي الدَّجَاجِ ثَلَاثَةٌ. وَاخْتَارَهُ فِي الْمُهَذَّبِ وَالتَّحْرِيرِ. قَالَ الْإِمَامُ الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ: فَإِنْ لَمْ تُحْبَسْ وَجَبَ غَسْلُ أَمْعَائِهَا مَا لَمْ يُسْتَحَلَّ مَا فِيهِ اسْتِحَالَةٌ تَامَّةٌ قَوْلُهُ: (نَهَى عَنْ رُكُوبِ الْجَلَّالَةِ) عِلَّةُ النَّهْيِ أَنْ تَعْرَقَ فَتُلَوِّثَ مَا عَلَيْهَا بِعَرَقِهَا، وَهَذَا مَا لَمْ تُحْبَسْ، فَإِذَا حُبِسَتْ جَازَ رُكُوبُهَا عِنْدَ الْجَمِيعِ، كَذَا فِي شَرْحِ السُّنَنِ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي طَهَارَةِ لَبَنِ الْجَلَّالَةِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى الطَّهَارَةِ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَسْتَحِيلُ فِي بَاطِنِهَا فَيَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ كَالدَّمِ يَسْتَحِيلُ فِي أَعْضَاءِ الْحَيَوَانَاتِ لَحْمًا وَيَصِيرُ لَبَنًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute