للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ النَّهْيِ عَنْ الرَّمْيِ بِالْبُنْدُقِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ

ــ

[نيل الأوطار]

النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ فَأَكَلَهُ، وَاللَّحْمُ لَا يَبْقَى فِي الْغَالِبِ مِثْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ بِلَا نَتْنٍ لَا سِيَّمَا فِي الْحِجَازِ مَعَ شِدَّةِ الْحَرِّ فَلَعَلَّ هَذَا الْحَدِيثَ هُوَ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ النَّوَوِيُّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَلَكِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا مَلَّحُوهُ وَقَدَّدُوهُ فَلَمْ يَدْخُلْهُ النَّتْنُ.

وَقَدْ حَرَّمَتْ الْمَالِكِيَّةُ الْمُنْتِنَ مُطْلَقًا وَهُوَ الظَّاهِرُ قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَاءٍ) وَجْهُهُ أَنَّهُ يَحْصُلُ حِينَئِذٍ التَّرَدُّدُ هَلْ قَتَلَهُ السَّهْمُ أَوْ الْغَرَقُ فِي الْمَاءِ، فَلَوْ تَحَقَّقَ أَنَّ السَّهْمَ أَصَابَهُ فَمَاتَ فَلَمْ يَقَعْ فِي الْمَاءِ إلَّا بَعْدَ أَنْ قَتَلَهُ السَّهْمُ حَلَّ أَكْلُهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: إذَا وَجَدَ الصَّيْدَ فِي الْمَاءِ غَرِيقًا حُرِّمَ بِالِاتِّفَاقِ انْتَهَى. وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ مَحِلَّهُ مَا لَمْ يَنْتَهِ الصَّيْدُ بِتِلْكَ الْجِرَاحَةِ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ، فَإِنْ انْتَهَى إلَيْهَا كَقَطْعِ الْحُلْقُومِ مَثَلًا فَقَدْ تَمَّتْ ذَكَاتُهُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّك لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُكَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ سَهْمَهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ أَنَّهُ يَحِلُّ. قَوْلُهُ: (إذَا أَوْحَاهُ) قَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَتَفْسِيرُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا قَوْلُهُ: (لَيْسَ بِهِ إلَّا أَثَرُ سَهْمِكَ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ وُجِدَ فِيهِ أَثَرٌ غَيْرُ سَهْمِهِ لَا يُؤْكَلُ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْكَلْبِ مِنْ التَّفْصِيلِ فِيمَا إذَا خَالَطَ الْكَلْبَ الَّذِي أَرْسَلَهُ الصَّائِدُ كَلْبٌ آخَرُ، لَكِنَّ التَّفْصِيلَ فِي مَسْأَلَةِ الْكَلْبِ فِيمَا إذَا شَارَكَ الْكَلْبَ فِي قَتْلِهِ كَلْبٌ آخَرُ، وَهُنَا الْأَثَرُ الَّذِي يُوجَدُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ سَهْمِ الرَّامِي أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَثَرَ سَهْمِ رَامٍ آخَرَ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْقَاتِلَةِ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ مَعَ التَّرَدُّدِ، وَقَدْ جَاءَتْ فِيهِ زِيَادَةٌ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْآخِرَةِ فِي الْبَابِ بِلَفْظِ «وَلَمْ تَرَ فِيهِ أَثَرَ سَبُعٍ» قَالَ الرَّافِعِيُّ: يُؤْخَذْ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ جَرَحَهُ ثُمَّ غَابَ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْحِلُّ أَصَحُّ دَلِيلًا. وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُلْ مَا أَصَمَيْتَ وَدَعْ مَا أَنْمَيْتَ. مَعْنَى مَا أَصَمَيْت: مَا قَتَلَهُ الْكَلْبُ وَأَنْتَ تَرَاهُ وَمَا أَنْمَيْت: مَا غَابَ عَنْك مَقْتَلُهُ. قَالَ: وَهَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدِي غَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ شَيْءٌ فَيَسْقُطُ كُلُّ شَيْءٍ خَالَفَ أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَقُومُ مَعَهُ رَأْيٌ وَلَا قِيَاسٌ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ ثَبَتَ الْخَبَرُ: يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِمَا فِي الْبَابِ عَلَى أَنَّ الرَّامِيَ لَوْ أَخَّرَ طَلَبَ الصَّيْدِ عَقِبَ الرَّمْيِ إلَى أَنْ يَجِدَهُ أَنَّهُ يَحِلُّ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِفْصَالٍ عَنْ سَبَبِ غَيْبَتِهِ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (فَيَقْتَفِي أَثَرَهُ) بِفَاءٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ ثُمَّ قَافٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ ثُمَّ فَاءٍ: أَيْ يَتْبَعُ قَفَاهُ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ) فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ " بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ " وَفِي الرِّوَايَةِ الْآخِرَةِ " فَيَغِيبُ عَنْهُ اللَّيْلَةَ وَاللَّيْلَتَيْنِ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>