. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
وَلَعْنُ الْوَالِدَيْنِ مِنْ الْكَبَائِرِ. وَتُخُومُ الْأَرْضِ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ: وَهِيَ الْحُدُودُ وَالْمَعَالِمُ، وَظَاهِرُهُ الْعُمُومُ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ، وَقِيلَ: مَعَالِمُ الْحَرَمِ خَاصَّةً، وَقِيلَ: فِي الْأَمْلَاكِ، وَقِيلَ: أَرَادَ الْمَعَالِمَ الَّتِي يُهْتَدَى بِهَا فِي الطُّرُقَاتِ. قَوْلُهُ: (إنَّ قَوْمًا قَالُوا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَالَ فِي الْفَتْحِ: لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِهِمْ. قَوْلُهُ: (فَقَالَ: سَمُّوا عَلَيْهِ أَنْتُمْ) قَالَ الْمُهَلَّبُ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَيْسَتْ فَرْضًا، فَلَمَّا نَابَتْ تَسْمِيَتُهُمْ عَنْ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبْحِ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا تَنُوبُ عَنْ فَرْضٍ هَذَا عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ وَأَبِي ثَعْلَبَةَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا كَانَا يَصِيدَانِ عَلَى مَذْهَبِ الْجَاهِلِيَّةِ فَعَلَّمَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرَ الصَّيْدِ وَالذَّبْحِ فَرْضَهُ وَمَنْدُوبَهُ لِئَلَّا يُوَافِقَا شُبْهَةً فِي ذَلِكَ وَلِيَأْخُذَا بِأَكْمَلِ الْأُمُورِ.
وَأَمَّا الَّذِينَ سَأَلُوا عَنْ هَذِهِ الذَّبَائِحِ فَإِنَّهُمْ سَأَلُوا عَنْ أَمْرٍ قَدْ وَقَعَ لِغَيْرِهِمْ فَعَرَّفَهُمْ بِأَصْلِ الْحِلِّ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ التَّسْمِيَةُ هُنَا عِنْدَ الْأَكْلِ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ النَّوَوِيُّ. قَالَ ابْنُ التِّينِ: وَأَمَّا التَّسْمِيَةُ عَلَى ذَبْحٍ تَوَلَّاهُ غَيْرُهُمْ فَلَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِمْ فِيهِ وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ الصِّحَّةِ إذَا تَبَيَّنَ خِلَافُهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ تَسْمِيَتَكُمْ الْآنَ تَسْتَبِيحُونَ بِهَا كُلَّ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ إذَا كَانَ الذَّابِحُ مِمَّنْ تَصِحُّ ذَبِيحَتُهُ إذَا سَمَّى. وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَا يُوجَدَ فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ، وَكَذَا مَا ذَبَحَهُ أَعْرَابُ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُمْ عَرَفُوا التَّسْمِيَةَ، وَبِهَذَا الْأَخِيرِ جَزَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَقَالَ: إنَّ مَا ذَبَحَهُ الْمُسْلِمُ يُؤْكَلُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ سَمَّى؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُظَنُّ بِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا الْخَيْرُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُ ذَلِكَ، وَعَكَسَ هَذَا الْخَطَّابِيِّ فَقَالَ فِيهِ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ غَيْرُ شَرْطٍ عَلَى الذَّبِيحَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ شَرْطًا لَمْ تُسْتَبَحْ الذَّبِيحَةُ بِالْأَمْرِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ كَمَا لَوْ عَرَضَ الشَّكُّ فِي نَفْسِ الذَّبِيحَةِ فَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ وَقَعَتْ الذَّكَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ أَمْ لَا.
وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ حَيْثُ وَقَعَ الْجَوَابُ فِيهِ سَمُّوا أَنْتُمْ، كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ: لَا تَهْتَمُّوا بِذَلِكَ بَلْ الَّذِي يُهِمُّكُمْ أَنْتُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَتَأْكُلُوا، وَهَذَا مِنْ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الطَّيِّبِي. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ قَوْله تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: ٥] فَأَبَاحَ الْأَكْلَ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ مَعَ وُجُودِ الشَّكِّ فِي أَنَّهُمْ سَمُّوا أَمْ لَا قَوْلُهُ: (وَكَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْكُفْرِ) فِي رِوَايَةٍ لِمَالِكٍ " وَذَلِكَ فِي أَوَائِلِ الْإِسْلَامِ " وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ قَوْمٌ فَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: ١٢١] قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبِرِّ: وَهُوَ تَعَلُّقٌ ضَعِيفٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ نَفْسِهِ مَا يَرُدُّهُ لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ فِيهِ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْأَكْلِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ كَانَتْ نَزَلَتْ بِالْأَمْرِ بِالتَّسْمِيَةِ.
وَأَيْضًا فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَنْعَامَ مَكِّيَّةٌ وَأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ جَرَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَأَنَّ الْأَعْرَابَ الْمُشَارَ إلَيْهِمْ فِي الْحَدِيثِ هُمْ بَادِيَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. قَوْلُهُ: (جَارِيَةٌ) فِي رِوَايَةٍ " أَمَةٌ " وَفِي رِوَايَةٍ " امْرَأَةٌ " وَلَا تَنَافٍ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute