٣٦٣٩ - (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شَرِيطَةِ الشَّيْطَانِ وَهِيَ الَّتِي تُذْبَحُ فَيُقْطَعُ الْجِلْدُ وَلَا تُفْرَى الْأَوْدَاجُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) .
ــ
[نيل الأوطار]
عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ قَدْ قَرَّرَ كَوْنَ الذَّكَاةِ لَا تَحْصُلُ بِالْعَظْمِ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ فَعَظْمٌ. قَالَ: وَلَمْ أَرَ بَعْدَ الْبَحْثِ مِنْ نَقْلٍ لِلْمَنْعِ مِنْ الذَّبْحِ بِالْعَظْمِ مَعْنًى يُعْقَلُ، وَكَذَا وَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تَذْبَحُوا بِالْعِظَامِ فَإِنَّهَا تُنَجَّسُ بِالدَّمِ. وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ تَنْجِيسِهَا لِأَنَّهَا زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُشْكِلِ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذَّبْحَ بِالْعَظْمِ كَانَ مَعْهُودًا عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَا يُجْزِئ وَقَرَّرَهُمْ الشَّارِعُ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ) أَيْ وَهُمْ كُفَّارٌ. وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ، قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ. وَقِيلَ: نَهَى عَنْهُمَا لِأَنَّ الذَّبْحَ بِهِمَا تَعْذِيبٌ لِلْحَيَوَانِ وَلَا يَقَعُ بِهِ غَالِبًا إلَّا الْخَنْقُ الَّذِي هُوَ عَلَى صُورَةِ الذَّبْحِ. وَاعْتَرَضَ عَلَى الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَامْتَنَعَ الذَّبْحُ بِالسِّكِّينِ وَسَائِرِ مَا يَذْبَحُ بِهِ الْكُفَّارُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الذَّبْحَ بِالسِّكِّينِ هُوَ الْأَصْلُ. وَأَمَّا مَا يَلْتَحِقُ بِهَا فَهُوَ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّشَبُّهُ، وَمِنْ ثَمَّ كَانُوا يَسْأَلُونَ عَنْ جَوَازِ الذَّبْحِ بِغَيْرِ السِّكِّينِ وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: السِّنُّ إنَّمَا يُذَكَّى بِهَا إذَا كَانَتْ مُنْتَزَعَةً، فَأَمَّا وَهِيَ ثَابِتَةٌ فَلَوْ ذُبِحَ بِهَا لَكَانَتْ مُنْخَنِقَةً، يَعْنِي فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّذْكِيَةِ بِالسِّنِّ الْمُنْتَزِعَةِ بِخِلَافِ مَا نُقِلَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ جَوَازِهِ بِالسِّنِّ الْمُنْفَصِلَةِ.
قَالَ: وَأَمَّا الظُّفْرُ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ ظُفْرَ الْإِنْسَانِ لَقَالَ فِيهِ مَا قَالَ فِي السِّنِّ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الظُّفْرَ الَّذِي هُوَ طَيِّبٌ مِنْ بِلَادِ الْحَبَشَةِ وَهُوَ لَا يُقَوِّي فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْخَنْقِ. قَوْلُهُ: (فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَهِيَ الْهَيْئَةُ وَالْحَالَةُ. قَوْلُهُ: (فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ أَوْ أَكْثَرِهَا " فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ " بِفَتْحِ الذَّالِ بِغَيْرِ هَاءٍ، وَفِي بَعْضِهَا " الذِّبْحَةَ " بِكَسْرِ الذَّالِ وَبِالْهَاءِ كَالْقِتْلَةِ وَهِيَ الْهَيْئَةُ وَالْحَالَةُ. قَوْلُهُ: (وَلْيُحِدَّ) بِضَمِّ الْيَاءِ يُقَالُ: أَحَدَّ السِّكِّينَ وَحَدَّدَهَا وَاسْتَحَدَّهَا بِمَعْنَى " وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ " بِإِحْدَادِ السِّكِّينِ وَتَعْجِيلِ إمْرَارِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ تُوَارَى عَنْ الْبَهَائِمِ) قَالَ النَّوَوِيُّ: يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُحِدَّ السِّكِّينَ بِحَضْرَةِ الذَّبِيحَةِ وَأَنْ لَا يَذْبَحَ وَاحِدَةً بِحَضْرَةِ أُخْرَى وَلَا يَجُرَّهَا إلَى مَذْبَحِهَا. قَوْلُهُ: (فَلْيُجْهِزْ) بِالْجِيمِ وَالزَّايِ: أَيْ يُسْرِعْ فِي الذَّبْحِ قَوْلُهُ: (وَاللَّبَّةِ) هِيَ الْمَنْحَرُ مِنْ الْبَهَائِمِ وَهِيَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ قَوْلُهُ: (وَلَا تُعَجِّلُوا الْأَنْفُسَ أَنْ تُزْهَقَ) بِزَايٍ: أَيْ لَا تَشْرَعُوا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَعْمَالِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالذَّبِيحَةِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute