٣٦٥٣ - (عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ فَيُنْتَثَلُ طَعَامُهُ وَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ، فَلَا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
٣٦٥٤ - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ يَثْرِبِيٍّ قَالَ: «شَهِدْتُ خُطْبَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِنًى، وَكَانَ
ــ
[نيل الأوطار]
وَلَا شَكَّ أَنَّ سَدَّ الرَّمَقِ يَدْفَعُ الضَّرُورَةَ، وَقِيلَ إنَّهُ يَجُوزُ أَكْلُ الْمُعْتَادِ لِلْمُضْطَرِّ فِي أَيَّامِ عَدَمِ الِاضْطِرَارِ، قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ الرَّاجِحُ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَالَةِ الَّتِي يَصِحُّ فِيهَا الْوَصْفُ بِالِاضْطِرَارِ وَيُبَاحُ عِنْدَهَا الْأَكْلُ. فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهَا الْحَالَةُ الَّتِي يَصِلُ بِهِ الْجُوعُ فِيهَا إلَى حَدِّ الْهَلَاكِ أَوْ إلَى مَرَضٍ يُفْضِي إلَيْهِ، وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ تَحْدِيدُ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ فِي الْمَيْتَةِ سُمِّيَّةٌ شَدِيدَةً، فَلَوْ أَكَلَهَا ابْتِدَاءً لَأَهْلَكَتْهُ، فَشُرِعَ لَهُ أَنْ يَجُوعَ لِيَصِيرَ فِي بَدَنِهِ بِالْجُوعِ سُمِّيَّةٌ هِيَ أَشَدُّ مِنْ سُمِّيَّةٌ الْمَيْتَةِ قَوْلُهُ: (كَانُوا بِالْحَرَّةِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ - مُهْمَلَتَيْنِ - أَرْضٌ بِظَاهِرِ الْمَدِينَةِ بِهَا حِجَارَةٌ سُودٌ. قَوْلُهُ: (فَنَفَقَتْ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْفَاءِ وَالْقَافِ: أَيْ مَاتَتْ يُقَالُ: نَفَقَتْ الدَّابَّةُ نُفُوقًا مِثْلُ قَعَدَتْ الْمَرْأَةُ قُعُودًا: إذَا مَاتَتْ. قَوْلُهُ: (حَتَّى نَقْدُرَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَضَمِّ الدَّالِ بَعْدَهُ رَاءٌ مُهْمَلَةٌ، هَكَذَا فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ، يُقَالُ قَدَرَ اللَّحْمَ يَقْدُرهُ: طَبَخَهُ فِي الْقِدْرِ.
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد " نُقَدِّدُ اللَّحْمَ " بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ مَكَانَ الرَّاءِ وَعَلَى ذَلِكَ شَرَحَ ابْنُ رَسْلَانَ فَإِنَّهُ قَالَ: أَيْ نَجْعَلُهُ قَدِيدًا. قَوْلُهُ: (غِنًى يُغْنِيك) أَيْ تَسْتَغْنِي بِهِ يَكْفِيك وَيَكْفِي أَهْلَكَ وَوَلَدَكَ عَنْهَا.
وَقَوْلُهُ: (اسْتَحْيَيْت مِنْك) بِيَاءَيْنِ مُثَنَّاتَيْنِ مِنْ تَحْتُ. وَلُغَةُ تَمِيمٍ وَبَكْرِ بْنِ وَائِلٍ: اسْتَحَيْتُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَحَذْفِ إحْدَى الْيَاءَيْنِ. وَقَدْ دَلَّتْ أَحَادِيثُ الْبَابِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ الْمَيْتَةِ مَا يَكْفِيهِ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي مِقْدَارِ مَا يَتَنَاوَلُهُ وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي الْجَوَازِ وَهُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُضْطَرِّ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ الْمَيْتَةِ حِفْظًا لِنَفْسِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ: يَجِبُ لِوُجُوبِ دَفْعِ الضَّرَرِ وَلَا يَجِبُ إيثَارًا لِلْوَرَعِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {غَيْرَ بَاغٍ} [الأنعام: ١٤٥] فَقِيلَ: أَيْ غَيْرَ مُتَلَذِّذٍ وَلَا مُجَاوِزٍ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَقِيلَ: أَيْ غَيْرَ عَاصٍ فَمَنَعُوا الْعَاصِيَ مِنْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ.
وَحَكَى الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا مِنْ الْبَغْيِ الْعِصْيَانَ، قَالُوا: وَطَرِيقُهُ أَنْ يَتُوبَ ثُمَّ يَأْكُلَ قَالَ: وَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ مُطْلَقَا، وَلَعَلَّهُ يَعْنِي بِالْبَعْضِ الْقَائِلَ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute