للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

مِنْ كَفَأْتُ الْإِنَاءَ، فَالْمَعْنَى غَيْرُ مَرْدُودٍ عَلَيْهِ إنْعَامُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْكِفَايَةِ: أَيْ أَنَّ اللَّهَ غَيْرُ مَكْفِيٍّ رِزْقَ عِبَادِهِ لِأَنَّهُ لَا يَكْفِيهِمْ أَحَدٌ غَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: أَيْ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى أَحَدٍ لَكِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُطْعِمُ عِبَادَهُ وَيَكْفِيهِمْ هَذَا قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ. وَقَالَ الْقَزَّازُ: مَعْنَاهُ أَنَا غَيْرُ مُكْتَفٍ بِنَفْسِي عَنْ كِفَايَتِهِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: مَعْنَاهُ لَمْ أَكْتَفِ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ. قَالَ ابْنُ التِّينِ: وَقَوْلُ الْخَطَّابِيِّ أَوْلَى لِأَنَّ مَفْعُولًا بِمَعْنَى مُفْتَعَلٌ فِيهِ بُعْدٌ وَخُرُوجٌ عَنْ الظَّاهِرِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ لِلَّهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ لِلْحَمْدِ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: الضَّمِيرُ لِلطَّعَامِ، وَمَكْفِيٌّ بِمَعْنَى مَقْلُوبٌ مِنْ الْإِكْفَاءِ وَهُوَ الْقَلْبُ.

وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ أَبِي مَنْصُورٍ الْجَوَالِيقِيِّ أَنَّ الصَّوَابَ غَيْرُ مُكَافَأٍ بِالْهَمْزِ: أَيْ أَنَّ نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تَكَافَأَ اهـ. وَقَدْ ثَبَتَ هَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا لَفْظُ " كَفَانَا " الْوَاقِعُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِيهِ يَعُودُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِلَا رَيْبٍ، إذْ هُوَ تَعَالَى هُوَ الْكَافِي لَا الْمَكْفِيُّ، وَكَفَانَا هُوَ مِنْ الْكِفَايَةِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ وَغَيْرِهِمَا، فَأَرْوَانَا عَلَى هَذَا مِنْ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ السَّكَنِ " وَآوَانَا " بِالْمَدِّ مِنْ الْإِيوَاءِ قَوْلُهُ: (وَلَا مُوَدَّعٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ الثَّقِيلَةِ: أَيْ غَيْرَ مَتْرُوكٍ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَالٌ مِنْ الْقَائِلِ: أَيْ غَيْرَ تَارِكٍ قَوْلُهُ: (وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَبِالتَّنْوِينِ قَوْلُهُ: (رَبُّنَا) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ هُوَ رَبُّنَا، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى الْمَدْحِ أَوْ الِاخْتِصَاصِ أَوْ إضْمَارِ أَعْنِي.

قَالَ ابْنُ التِّينِ: وَيَجُوزُ الْجَرُّ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي عَنْهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: عَلَى الْبَدَلِ مِنْ الِاسْمِ فِي قَوْلِهِ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ " وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: رَبَّنَا بِالنَّصْبِ عَلَى النِّدَاءِ مَعَ حَذْفِ أَدَاةِ النِّدَاءِ قَوْلُهُ: (وَلَا مَكْفُورٍ) أَيْ مَجْحُودٍ فَضْلُهُ وَنِعْمَتُهُ، وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يُقَوِّي أَنَّ الضَّمِيرَ لِلَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ: (إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ) لَفْظُ أَبِي دَاوُد " كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ " وَالْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ.

وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ النَّسَائِيّ وَالْحَاكِمِ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ مِنْ الطَّعَامِ وَسَقَى مِنْ الشَّرَابِ وَكَسَا مِنْ الْعُرْيِ وَهَدَى مِنْ الضَّلَالَةِ وَبَصَّرَ مِنْ الْعَمَى وَفَضَّلَ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا» قَوْلُهُ: (وَزِدْنَا مِنْهُ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ خَيْرٌ مِنْ اللَّبَنِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ الْعَسَلِ الَّذِي هُوَ شِفَاءٌ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ اللَّبَنَ بِاعْتِبَارِ التَّغَذِّي وَالرِّيِّ خَيْرٌ مِنْ الْعَسَلِ وَمُرَجَّحٌ عَلَيْهِ، وَالْعَسَلُ بِاعْتِبَارِ التَّدَاوِي مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَبِاعْتِبَارِ الْحَلَاوَةِ مُرَجَّحٌ عَلَى اللَّبَنِ، فَفِي كُلِّ مِنْهُمَا خُصُوصِيَّةٌ يَتَرَجَّحُ بِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ وَزِدْنَا لَبَنًا مِنْ جِنْسِهِ وَهُوَ لَبَنُ الْجَنَّةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} [البقرة: ٢٥] قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لَيْسَ يُجْزِي) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ الطَّعَامِ: أَيْ بَدَلَ الطَّعَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ} [التوبة: ٣٨] أَيْ بَدَلَهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>