للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

عِيَاضٍ التَّعَرُّضُ لَلِاسْتِحْبَابِ أَصْلًا، بَلْ وَنَقْلُ الِاتِّفَاقِ الْمَذْكُورِ إنَّمَا هُوَ فِي كَلَامِ الْمَازِرِيِّ كَمَا مَضَى. وَأَمَّا تَضْعِيفُ عِيَاضٍ لِلْأَحَادِيثِ فَلَمْ يَتَشَاغَلْ النَّوَوِيُّ بِالْجَوَابِ عَنْهُ. قَالَ: فَأَمَّا إشَارَتُهُ إلَى تَضْعِيفِ حَدِيثِ أَنَسٍ بِكَوْنِ قَتَادَةَ مُدَلِّسًا فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي نَفْسِ هَذَا الْحَدِيثِ بِمَا يَقْتَضِي السَّمَاعَ فَإِنَّهُ قَالَ: قُلْنَا لِأَنَسٍ: " فَالْأَكْلُ. . . إلَخْ " وَأَمَّا تَضْعِيفُ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بِأَنَّ أَبَا عَبَّاسٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ فَهُوَ قَوْلٌ سَبَقَ إلَيْهِ ابْنُ الْمَدِينِيِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إلَّا قَتَادَةُ لَكِنْ وَثَّقَهُ الطَّبَرِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ، وَدَعْوَاهُ اضْطِرَابَهُ مَرْدُودَةٌ، فَقَدْ تَابَعَهُ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ، فَالْحَدِيثُ بِمَجْمُوعِ طُرُقِهِ صَحِيحٌ.

قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: أَنَّ قَوْلَهُ " فَمَنْ نَسِيَ " لَا مَفْهُومَ لَهُ، بَلْ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلْعَامِدِ أَيْضًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَإِنَّمَا خَصَّ النَّاسِيَ بِالذِّكْرِ لِكَوْنِ الْمُؤْمِنِ لَا يَقَعُ ذَلِكَ مِنْهُ بَعْدَ النَّهْيِ غَالِبًا إلَّا نِسْيَانًا. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ: لَمْ يَصِرْ أَحَدٌ إلَى أَنَّ النَّهْيَ فِيهِ لِلتَّحْرِيمِ وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ بِهِ جَارِيًا عَلَى أُصُولِ الظَّاهِرِيَّةِ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ابْنَ حَزْمٍ مِنْهُمْ جَزَمَ بِالتَّحْرِيمِ، وَتَمَسَّكَ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِالتَّحْرِيمِ بِالْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ.

وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٌ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ. وَعَنْ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالْأَثْرَمُ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَعَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَأَبُو عَلِيٍّ الطُّوسِيِّ فِي الْأَحْكَامِ. وَعَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ شَاهِينَ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَثَبَتَ الشُّرْبُ قَائِمًا عَنْ عُمَرَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ.

وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا كَانُوا يَشْرَبُونَ قِيَامًا، وَكَانَ سَعْدٌ وَعَائِشَةُ لَا يَرَيَانِ بِذَلِكَ بَأْسًا، وَثَبَتَتْ الرُّخْصَةُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ. وَسَلَكَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ مَسَالِكَ: أَحَدُهَا التَّرْجِيحُ، وَأَنَّ أَحَادِيثَ الْجَوَازِ أَثْبَتُ مِنْ أَحَادِيثِ النَّهْيِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ الْأَثْرَمِ فَقَالَ: حَدِيثُ أَنَسٍ يَعْنِي فِي النَّهْيِ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ، وَلَكِنْ قَدْ جَاءَ عَنْهُ خِلَافُهُ، يَعْنِي فِي الْجَوَازِ، قَالَ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الطَّرِيقِ إلَيْهِ فِي النَّهْيِ أَثْبَتَ مِنْ الطَّرِيقِ إلَيْهِ فِي الْجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ الَّذِي يُقَابِلُهُ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الثَّبْتَ قَدْ يَرْوِي مَنْ هُوَ دُونَهُ الشَّيْءُ فَيَرْجَحُ عَلَيْهِ، فَقَدْ رَجَحَ نَافِعٌ عَلَى سَالِمٍ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَسَالِمٌ مُقَدَّمٌ عَلَى نَافِعٍ فِي التَّثَبُّتِ، وَقُدِّمَ شَرِيكٌ عَلَى الثَّوْرِيِّ فِي حَدِيثَيْنِ وَسُفْيَانُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فِي جُمْلَةِ أَحَادِيثَ.

وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِالشُّرْبِ قَائِمًا، قَالَ: فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْهُ فِي النَّهْيِ لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ وَإِلَّا لَمَا قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى وَهَانَةِ أَحَادِيثِ النَّهْيِ أَيْضًا اتِّفَاقُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ شَرِبَ أَنْ يَسْتَقِئَ. الْمَسْلَكُ الثَّانِي: دَعْوَى النَّسْخِ وَإِلَيْهَا جَنَحَ الْأَثْرَمُ وَابْنُ شَاهِينَ فَقَرَّرَا أَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا مَنْسُوخَةٌ بِأَحَادِيثِ الْجَوَازِ بِقَرِينَةِ عَمَلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَمُعْظَمِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِالْجَوَازِ. وَقَدْ عَكَسَ ابْنُ حَزْمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>