للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْكَيِّ

٣٧٧٢ - (عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ طَبِيبًا فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا ثُمَّ كَوَاهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ) .

٣٧٧٣ - (وَعَنْ جَابِرٍ أَيْضًا: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَوَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي أَكْحُلِهِ مَرَّتَيْنِ» .

ــ

[نيل الأوطار]

وَهُوَ هَهُنَا حَدَّثَ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ الْخَثْعَمِيِّ وَهُوَ شَامِيٌّ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْأَنْصَارِيِّ مَوْلَى أُمِّ الدَّرْدَاءِ وَقَائِدُهَا وَهُوَ أَيْضًا شَامِيٌّ.

قَوْلُهُ: (لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ) فِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ فَيَحْرُمُ التَّدَاوِي بِهَا كَمَا يَحْرُمُ شُرْبُهَا، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأُمُورِ النَّجِسَةِ أَوْ الْمُحَرَّمَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ قَوْلُهُ: (وَلَا تَتَدَاوَوْا بِحَرَامٍ) أَيْ لَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِمَا حَرَّمَهُ اللَّهُ مِنْ النَّجَاسَاتِ وَغَيْرِهَا مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ نَجَسًا. قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ: وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا يَعْنِي الشَّافِعِيَّةَ جَوَازُ التَّدَاوِي بِجَمِيعِ النَّجَاسَاتِ سِوَى الْمُسْكِرِ لِحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ فِي الصَّحِيحَيْنِ حَيْثُ أَمَرَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّرْبِ مِنْ أَبْوَالِ الْإِبِلِ لِلتَّدَاوِي، قَالَ: وَحَدِيثُ الْبَابِ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْحَاجَةِ بِأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ دَوَاءٌ غَيْرُهُ يُغْنِي عَنْهُ وَيَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الطَّاهِرَاتِ.

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَانِ الْحَدِيثَانِ إنْ صَحَّا مَحْمُولَانِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ التَّدَاوِي بِالْمُسْكِرِ وَالتَّدَاوِي بِالْحَرَامِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لِيَجْمَعَ بَيْنَهُمَا. وَبَيْنَ حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْجَمْعِ مِنْ التَّعَسُّفِ، فَإِنَّ أَبْوَالَ الْإِبِلِ الْخَصْمُ يَمْنَعُ اتِّصَافَهَا بِكَوْنِهَا حَرَامًا أَوْ نَجَسًا، وَعَلَى فَرْضِ التَّسْلِيمِ فَالْوَاجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَامِّ وَهُوَ تَحْرِيمُ التَّدَاوِي بِالْحَرَامِ وَبَيْنِ الْخَاصِّ وَهُوَ الْإِذْنُ بِالتَّدَاوِي بِأَبْوَالِ الْإِبِلِ بِأَنْ يُقَالَ: يَحْرُمُ التَّدَاوِي بِكُلِّ حَرَامٍ إلَّا أَبْوَالَ الْإِبِلِ، هَذَا هُوَ الْقَانُونُ الْأُصُولِيُّ قَوْلُهُ: (عَنْ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ) ظَاهِرُهُ تَحْرِيمُ التَّدَاوِي بِكُلِّ خَبِيثٍ، وَالتَّفْسِيرُ بِالسُّمِّ مُدْرَجٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ.

وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْحَرَامَ وَالنَّجَسَ خَبِيثَانِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: السُّمُومُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ: مِنْهَا مَا يَقْتُلُ كَثِيرُهُ وَقَلِيلُهُ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ لِلتَّدَاوِي وَلِغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: ١٩٥] وَمِنْهَا مَا يَقْتُلُ كَثِيرُهُ دُونَ قَلِيلِهِ، فَأَكْلُ كَثِيرِهِ الَّذِي يَقْتُلُ حَرَامٌ لِلتَّدَاوِي وَغَيْرِهِ، وَالْقَلِيلُ مِنْهُ إنْ كَانَ مِمَّا يَنْفَعُ فِي التَّدَاوِي جَازَ أَكْلُهُ تَدَاوِيًا. وَمِنْهَا مَا يَقْتُلُ فِي الْأَغْلَبِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ لَا يَقْتُلَ فَحُكْمُهُ كَمَا قَبْلَهُ. وَمِنْهَا مَا لَا يَقْتُلُ فِي الْأَغْلَبِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَقْتُلَ، فَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ إبَاحَةَ أَكْلِهِ وَفِي مَوْضِعٍ تَحْرِيمَ أَكْلِهِ فَجَعَلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ عَلَى حَالَيْنِ، فَحَيْثُ أَبَاحَ أَكْلَهُ فَهُوَ إذَا كَانَ لِلتَّدَاوِي، وَحَيْثُ حَرَّمَ أَكْلَهُ فَهُوَ إذَا كَانَ غَيْرَ مُنْتَفِعٍ بِهِ فِي التَّدَاوِي.

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْكَيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>