للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

الْمِيمِ، وَالْمُرَادُ بِالْحُمَةِ: السُّمُّ مِنْ ذَوَاتِ السُّمُومِ. وَقَدْ تُسَمَّى إبْرَةُ الْعَقْرَبِ وَالزُّنْبُورِ وَنَحْوُهُمَا حُمَةً لِأَنَّ السُّمَّ يَخْرُجُ مِنْهَا فَهُوَ مِنْ الْمَجَازِ وَالْعَلَاقَةُ الْمُجَاوَرَةُ قَوْلُهُ: (أَلَا تُعَلِّمِينَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَكْسُورَةِ هَذِهِ، يَعْنِي حَفْصَةَ رُقْيَةَ النَّمِلَةِ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ: وَهِيَ قُرُوحٌ تَخْرُجُ مِنْ الْجَنْبِ أَوْ الْجَنْبَيْنِ، وَرُقْيَةُ النَّمِلَةِ كَلَامٌ كَانَتْ نِسَاءُ الْعَرَبِ تَسْتَعْمِلُهُ يَعْلَمُ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ أَنَّهُ كَلَامٌ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ. وَرُقْيَةُ النَّمِلَةِ الَّتِي كَانَتْ تُعْرَفُ بَيْنَهُنَّ أَنْ يُقَالَ لِلْعَرُوسِ تَحْتَفِلُ وَتَخْتَضِبُ وَتَكْتَحِلُ وَكُلُّ شَيْءٍ يُفْتَعَلُ غَيْرُ أَنْ لَا تَعْصِيَ الرَّجُلَ، فَأَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا الْمَقَالِ تَأْنِيبَ حَفْصَةَ وَالتَّأْدِيبُ لَهَا تَعْرِيضٌ لِأَنَّهُ أَلْقَى إلَيْهَا سِرًّا فَأَفْشَتْهُ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ التَّنْزِيلُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ} [التحريم: ٣] الْآيَةَ قَوْلُهُ: (كَمَا عَلَّمْتِهَا الْكِتَابَةَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَعْلِيمِ النِّسَاءِ الْكِتَابَةَ.

وَأَمَّا حَدِيثُ «لَا تُعَلِّمُوهُنَّ الْكِتَابَةَ وَلَا تُسْكِنُوهُنَّ الْغُرَفَ وَعَلِّمُوهُنَّ سُورَةَ النُّورِ» فَالنَّهْيُ عَنْ تَعْلِيمِ الْكِتَابَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يُخْشَى مِنْ تَعْلِيمِهَا الْفَسَادُ. قَوْلُهُ: (لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الشِّرْكِ الْمُحَرَّمِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الرُّقَى وَالتَّطَبُّبِ بِمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ وَلَا مَنْعَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَكَلَامِهِ، لَكِنْ إذَا كَانَ مَفْهُومًا لِأَنَّ مَا لَا يُفْهَمُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الشِّرْكِ.

قَوْلُهُ: (مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ) قَدْ تَمَسَّكَ قَوْمٌ بِهَذَا الْعُمُومِ فَأَجَازُوا كُلَّ رُقْيَةٍ جُرِّبَتْ مَنْفَعَتُهَا وَلَوْ لَمْ يُعْقَلْ مَعْنَاهَا، لَكِنْ دَلَّ حَدِيثُ عَوْفٍ أَنَّهُ يُمْنَعُ مَا كَانَ مِنْ الرُّقَى يُؤَدِّي إلَى الشِّرْكِ وَمَا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الشِّرْكِ فَيُمْنَعُ احْتِيَاطًا. وَقَالَ قَوْمٌ: لَا تَجُوزُ الرُّقْيَةُ إلَّا مِنْ الْعَيْنِ وَالْحُمَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ عِمْرَانِ بْنِ حُصَيْنٍ «لَا رُقْيَةَ إلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ» . وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى الْحَصْرِ فِيهِ أَنَّهُمَا أَصْلُ كُلِّ مُحْتَاجٍ إلَى الرُّقْيَةِ فَيَلْحَقُ بِالْعَيْنِ جَوَازُ رُقْيَةِ مَنْ بِهِ مَسٌّ أَوْ نَحْوُهُ لِاشْتِرَاكِ ذَلِكَ فِي كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ يَنْشَأُ عَنْ أَحْوَالٍ شَيْطَانِيَّةٍ مِنْ إنْسِيٍّ أَوْ جِنِّيٍّ، وَيَلْتَحِقُ بِالسُّمِّ كُلُّ مَا عَرَضَ لِلْبَدَنِ مِنْ قَرَحٍ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمَوَادِّ السُّمِّيَّةِ. وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد فِي حَدِيثِ أَنَسٍ مِثْلُ حَدِيثِ عِمْرَانِ وَزَادَ " أَوْ دَمٍ " وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ زَادَ فِيهِ " النَّمِلَةَ ".

وَقَالَ قَوْمٌ: الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مِنْ الرُّقَى مَا يَكُونُ قَبْلَ وُقُوعِ الْبَلَاءِ، وَالْمَأْذُونُ فِيهِ مَا كَانَ بَعْدَ وُقُوعِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَفِيهِ نَظَرٌ، وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْخَبَرِ الَّذِي قُرِنَتْ فِيهِ التَّمَائِمُ بِالرُّقَى كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ. قَوْلُهُ: (نَفَثَ) النَّفْثُ: نَفْخٌ لَطِيفٌ بِلَا رِيقٍ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ النَّفْثِ فِي الرُّقْيَةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهِ، وَاسْتَحَبَّهُ الْجُمْهُورُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ. قَالَ الْقَاضِي: وَأَنْكَرَ جَمَاعَةٌ النَّفْثَ فِي الرُّقَى وَأَجَازُوا فِيهَا النَّفْخَ بِلَا رِيقٍ، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ.

وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي النَّفْثِ وَالتَّفِلِ، فَقِيلَ: هُمَا بِمَعْنًى وَلَا يَكُونُ إلَّا بِرِيقٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يُشْتَرَطُ فِي التَّفِلِ رِيقٌ يَسِيرٌ وَلَا يَكُونُ فِي النَّفْثِ، وَقِيلَ عَكْسُهُ. قَالَ: «وَسُئِلَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>