للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[نيل الأوطار]

لِلْبَدَنِ

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالصَّوَابُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُجْزَمَ بِهِ أَنَّهُ مَدْحٌ لِلْخَلِّ نَفْسِهِ، وَأَمَّا الِاقْتِصَارُ فِي الْمَطْعَمِ وَتَرْكِ الشَّهَوَاتِ فَمَعْلُومٌ مِنْ قَوَاعِدَ أُخَرَ. وَأَمَّا قَوْلُ جَابِرٍ فَمَا زِلْتُ أُحِبُّ الْخَلَّ مُنْذُ سَمِعْتُهَا مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ كَقَوْلِ أَنَسٍ: " مَا زِلْتُ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ " قَالَ: وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ إنَّهُ مَدْحٌ لِلْخَلِّ نَفْسِهِ

وَتَأْوِيلُ الرَّاوِي إذَا لَمْ يُخَالِفْ الظَّاهِرَ يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَالْعَمَلُ بِهِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ وَهَذَا كَذَلِكَ، بَلْ تَأْوِيلُ الرَّاوِي هُنَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ فَيَتَعَيَّنُ اعْتِمَادُهُ قَوْلُهُ: «ائْتَدِمُوا بِالزَّيْتِ» فِيهِ التَّرْغِيبُ فِي الِائْتِدَامِ بِالزَّيْتِ مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِكَوْنِهِ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ قَوْلُهُ: «سَيِّدُ إدَامِكُمْ الْمِلْحُ» قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِدَامَ اسْمٌ لِمَا يُؤْتَدَمُ بِهِ: أَيْ يُؤْكَلُ بِهِ الْخُبْزُ مِمَّا يَطِيبُ. سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُصْطَبَغُ بِهِ كَالْأَمْرَاقِ وَالْمَائِعَاتِ أَوْ مِمَّا لَا يُصْطَبَغُ بِهِ كَالْجَامِدَاتِ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبَيْضِ وَالزَّيْتُونِ وَغَيْرِ ذَلِكَ

قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: هَذَا مَعْنَى الْإِدَامِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ انْتَهَى. وَلَعَلَّ تَسْمِيَةَ الْمِلْحِ بِسَيِّدِ الْإِدَامِ لِكَوْنِهِ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي كُلِّ طَعَامٍ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُسَاغَ بِدُونِهِ، فَمَعَ كَوْنِهِ لَا يَزَالُ مُخَالِطًا لِكُلِّ طَعَامٍ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لَا يُغْنِي عَنْهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِدَامِ شَيْءٌ وَهُوَ يُغْنِي عَنْهَا بَلْ رُبَّمَا لَا يَصْلُحُ بَعْضُ الْأُدُمِ إلَّا بِالْمِلْحِ، فَلَمَّا كَانَ بِهَذَا الْمَحَلِّ أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ السَّيِّدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَيِّدًا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَاتِهِ لِكَوْنِهِ خَالِيًا عَنْ الْحَلَاوَةِ وَالدُّسُومَةِ وَنَحْوهِمَا قَوْلُهُ: (فَوَضَعَ عَلَيْهَا تَمْرَةً) فِيهِ أَنَّ وَضْعَ التَّمْرَةِ عَلَى الْكِسْرَةِ جَائِزٌ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَإِنْ كَانَ الْبَزَّارُ قَدْ رَوَى حَدِيثَ «أَكْرِمُوا الْخُبْزَ» مَعَ مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ الْمَقَالِ، فَمِثْلُ هَذَا لَا يُنَافِي الْكَرَامَةَ قَوْلُهُ:

(هَذِهِ إدَامُ هَذِهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجَوَامِدَ تَكُونُ إدَامًا كَالْجُبْنِ وَالزَّيْتُونِ وَالْبَيْضِ وَالتَّمْرِ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَا لَا يُصْطَبَغُ بِهِ فَلَيْسَ بِإِدَامٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُرْفَعُ إلَى الْفَمِ مُنْفَرِدًا قَوْلُهُ: (سَيِّدُ إدَامِ أَهْلِ الدُّنْيَا. . . إلَخْ) فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ اللَّحْمَ حَقِيقٌ بِأَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمُ السِّيَادَةِ الْمُطْلَقَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَا جَرَمَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةٍ لَا يَبْلُغُهَا شَيْءٌ مِنْ الْأُدُمِ كَائِنًا مَا كَانَ، فَإِطْلَاقُ السِّيَادَةِ عَلَيْهِ لِذَاتِهِ لَا لِمُجَرَّدِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمِلْحِ قَوْلُهُ: (خُبْزَةٌ وَاحِدَةٌ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا زَايٌ: هِيَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ: الظُّلْمَةُ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْمَصْنُوعُ مِنْ الطَّعَامِ

قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ الْأَرْضَ كَالظُّلْمَةِ وَالرَّغِيفِ الْعَظِيمِ، وَيَكُون ذَلِكَ طَعَامًا نُزُلًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، وَاَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قَوْلُهُ

(بِلَامُ وَنُونٌ) الْحَرْفُ الْأَوَّلُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَبَعْدَهَا لَامٌ مُخَفَّفَةٌ بَعْدَهُ مِيمٌ مَرْفُوعَةٌ غَيْرُ مُنَوَّنَةٍ، كَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ. قَالَ: وَفِي مَعْنَاهَا أَقْوَالٌ مُضْطَرِبَةٌ، الصَّحِيحُ مِنْهَا الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهَا لَفْظَةٌ عِبْرَانِيَّةٌ مَعْنَاهَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ ثَوْرٌ، وَلِهَذَا فُسِّرَ ذَلِكَ بِهِ وَوَقَعَ السُّؤَالُ لِلْيَهُودِ عَنْ تَفْسِيرِهَا، وَلَوْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً لَعَرَفَتْهَا الصَّحَابَةُ وَلَمْ يَحْتَاجُوا إلَى سُؤَالِهِ عَنْهَا، فَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي بَيَانِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ

قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>