. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
يَغْتَسِلُ فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ " وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ أَيُّوبَ لَا يَحْلِفُ إلَّا بِاَللَّهِ، وَقَدْ ذَكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ عَنْهُ وَأَقَرَّهُ قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ لَا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِكَ) بِكَسْرِ الْغِينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقَصْرُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ
وَوَقَعَ لِأَبِي ذَرٍّ عَنْ غَيْرِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْمَدِّ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى فَإِنَّ مَعْنَى الْغَنَاءِ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ الْكِفَايَةُ يُقَالُ مَا عِنْدَ فُلَانٍ غَنَاءٌ: أَيْ مَا يَغْتَنِي بِهِ قَوْلُهُ: (تُنَدِّدُونَ) أَيْ تَجْعَلُونَ لِلَّهِ أَنْدَادًا وَتُشْرِكُونَ: أَيْ تَجْعَلُونَ لِلَّهِ شُرَكَاءَ، وَفِيهِ النَّهْيُ عَنْ الْحَلِفِ بِالْكَعْبَةِ، وَعَنْ قَوْلِ الرَّجُلِ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتُ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِمَا لَا تَنْدِيدَ فِيهِ وَلَا شِرْكَ فَيَقُولُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، وَيَقُولُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْتُ
وَحَكَى ابْنُ التِّينِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الدَّاوُدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ نَهْيٌ عَنْ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: ٧٤] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: ٣٧] وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّ الَّذِي قَالَهُ أَبُو جَعْفَرٍ لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَا شَاءَ وَشِئْتُ تَشْرِيكٌ فِي مَشِيئَتِهِ تَعَالَى
وَأَمَّا الْآيَةُ فَإِنَّمَا أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ أَغْنَاهُمْ وَأَنَّ رَسُولَهُ أَغْنَاهُمْ وَهُوَ مِنْ اللَّهِ حَقِيقَةٌ لِأَنَّهُ الَّذِي قَدَّرَ ذَلِكَ وَمِنْ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقِيقَةٌ بِاعْتِبَارِ تَعَاطِي الْفِعْلِ وَكَذَا الْإِنْعَامُ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بِالْإِسْلَامِ. وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعِتْقِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْمَشِيئَةِ فَإِنَّهَا مُنْفَرِدَةٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْحَقِيقَةِ، وَإِذَا نُسِبَتْ لِغَيْرِهِ فَبِطَرِيقِ الْمَجَازِ قَوْلُهُ: «إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» فِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَا وَالْكَعْبَةِ فَقَالَ: لَا تَحْلِفْ بِغَيْرِ اللَّهِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ وَأَشْرَكَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَالتَّعْبِيرُ بِقَوْلِهِ: " كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ " لِلْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ وَالتَّغْلِيظِ فِي ذَلِكَ
وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ بِالتَّحْرِيمِ قَوْلُهُ: (فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ) قَالَ الْعُلَمَاءُ: السِّرُّ فِي النَّهْيِ عَنْ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ أَنَّ الْحَلِفَ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي تَعْظِيمَهُ، وَالْعَظَمَةُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هِيَ لِلَّهِ وَحْدِهِ، فَلَا يَحْلِفُ إلَّا بِاَللَّهِ وَذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ
وَاخْتُلِفَ هَلْ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ؟ لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ قَوْلَانِ، وَيُحْمَلُ مَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِنَفْيِ الْجَوَازِ الْكَرَاهَةُ أَعَمُّ مِنْ التَّحْرِيمِ وَالتَّنْزِيهِ. وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَجُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا، وَجَزَمَ ابْنُ حَزْمٍ بِالتَّحْرِيمِ. قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالْكَرَاهَةِ، وَجَزَمَ غَيْرُهُ بِالتَّفْصِيلِ، فَإِنْ اعْتَقَدَ فِي الْمَحْلُوفِ بِهِ مَا يَعْتَقِدُ فِي اللَّهِ تَعَالَى كَانَ بِذَلِكَ الِاعْتِقَادِ كَافِرًا
وَمَذْهَبُ الْهَادَوِيَّةِ أَنَّهُ لَا إثْمَ فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ مَا لَمْ يُسَوِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فِي التَّعْظِيمِ أَوْ كَانَ الْحَالِفُ مُتَضَمِّنًا كُفْرًا أَوْ فِسْقًا، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَنْ يَكْفُرُ بِحَلِفِهِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ الْقَسَمِ بِغَيْرِ اللَّهِ فَفِيهِ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute