. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّاذِرَةَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنْ تَرْكَبَ جَزْمًا، وَأَمَرَ أُخْتَ عُقْبَةَ أَنْ تَمْشِيَ وَأَنْ تَرْكَبَ لِأَنَّ النَّاذِرَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ كَانَ شَيْخًا ظَاهِرَ الْعَجْزِ وَأُخْتُ عُقْبَةَ لَمْ تُوصَفْ بِالْعَجْزِ، فَكَأَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَمْشِيَ إنْ قَدَرَتْ وَتَرْكَبَ إنْ عَجَزَتْ، وَبِهَذَا تَرْجَمَ الْبَيْهَقِيُّ لِلْحَدِيثِ، وَأَوْرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ مِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ «جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُخْتِي حَلَفَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى الْبَيْتِ وَإِنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهَا الْمَشْيُ، فَقَالَ: مُرْهَا فَلْتَرْكَبْ إذَا لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَمْشِيَ، فَمَا أَغْنَى اللَّهُ أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُخْتِكِ» وَأَحَادِيثُ الْبَابِ مُصَرِّحَةٌ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ. وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيهِ الْهَدْيُ وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيَشَانِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ " نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى الْكَعْبَةِ حَافِيَةً حَاسِرَةً " وَفِيهِ «لِتَرْكَبْ وَلْتَلْبَسْ وَلْتَصُمْ» وَلِلطَّحَاوِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ عُقْبَةَ نَحْوُهُ
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسِيرُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ إذْ بَصُرَ بِخَيَالٍ فَفَرَّتْ مِنْهُ الْإِبِلُ، فَإِذَا امْرَأَةٌ عُرْيَانَةٌ نَاقِضَةٌ شَعْرَهَا، فَقَالَتْ: نَذَرْت أَنْ أَحُجَّ عُرْيَانَةً نَاقِضَةً شَعْرِي، فَقَالَ: مُرْهَا فَلْتَلْبَسْ ثِيَابَهَا وَلْتُهْرِقْ دَمًا» وَأَوْرَدَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ رَفَعَهُ «إذَا نَذَرَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَلْيُهْدِ هَدْيًا وَلْيَرْكَبْ» وَفِي سَنَدِهِ انْقِطَاعٌ. وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى صِحَّةِ النَّذْرِ بِإِتْيَانِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ لِغَيْرِ حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَنْوِ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً لَمْ يَنْعَقِدْ، ثُمَّ إنْ نَذَرَهُ رَاكِبًا لَزِمَهُ، فَلَوْ مَشَى لَزِمَهُ دَمٌ لِتَوَفُّرِ مُؤْنَةِ الرُّكُوبِ، وَإِنْ نَذَرَ مَاشِيًا لَزِمَهُ مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ، وَوَافَقَهُ صَاحِبَاهُ، فَإِنْ رَكِبَ لِعُذْرٍ أَجْزَأَهُ وَلَزِمَ دَمٌ.
وَفِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِثْلُهُ. وَاخْتُلِفَ هَلْ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ أَوْ شَاةٌ، وَإِنْ رَكِبَ بِلَا عُذْرٍ لَزِمَهُ الدَّمُ. وَعَنْ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْعَاجِزِ يَرْجِعُ مَنْ قَابَلَ فَيَمْشِي مَا رَكِبَ إلَّا أَنْ يَعْجَزَ مُطْلَقًا فَيَلْزَمُهُ الْهَدْي. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مُطْلَقًا
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: زِيَادَةُ الْأَمْرِ بِالْهَدْيِ رُوَاتُهَا ثِقَاتٌ. وَعَنْ الْهَادَوِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الرُّكُوبُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَشْيِ، فَإِذَا عَجَزَ جَازَ الرُّكُوبُ وَلَزِمَهُ دَمٌ، قَالُوا: لِأَنَّ الرِّوَايَةَ وَإِنْ جَاءَتْ مُطْلَقَةً فَقَدْ قُيِّدَتْ بِرِوَايَةِ الْعَجْزِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي أَكْثَرِ هَذِهِ التَّفَاصِيلِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ لِصَرِيحِ الدَّلِيلِ
وَيُرَدُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ مَعَ الْعَجْزِ، وَتَلْزَمُ مَعَ عَدَمِهِ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهُ فَإِنَّهُمَا مُصَرِّحَانِ بِوُجُوبِ الْهَدْيِ مَعَ ذِكْرِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعَجْزِ مِنْ الضَّعْفِ وَعَدَمِ الطَّاقَةِ، وَالرَّجُلُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ «أَنَّهُ يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ» قِيلَ هُوَ أَبُو إسْرَائِيلَ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْخَطِيبِ، حَكَى ذَلِكَ عَنْهُ مُغُلْطَاي. قَالَ الْحَافِظُ: وَهُوَ تَرْكِيبٌ مِنْهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْخَطِيبُ ذَلِكَ فِي رَجُلٍ آخَرَ مَذْكُورٌ فِي حَدِيثٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute