. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ يَعْنِي أَهْلَ الْعِرَاقِ: بَلْ يَقْضِي لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَوَافَقَهُمْ الشَّافِعِيُّ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ الْقَاضِي عَدْلًا لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فِي حَدٍّ وَلَا قِصَاصٍ إلَّا مَا أُقِرَّ بِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فِي كُلِّ الْحُقُوقِ مِمَّا عَلِمَهُ قَبْلَ أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ أَوْ بَعْدَ مَا وَلِيَ، فَقَيَّدَ ذَلِكَ بِكَوْنِ الْقَاضِي عَدْلًا إشَارَةً إلَى أَنَّهُ رُبَّمَا وَلِيَ الْقَضَاءَ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَعْنِي أَهْلَ الْعِرَاقِ: يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي الْأَمْوَالِ وَلَا يَقْضِي فِي غَيْرِهَا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِيمَا نَقَلَهُ الْكَرَابِيسِيُّ عَنْهُ، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْقِيَاسُ أَنَّهُ يَحْكُمُ فِي ذَلِكَ بِعِلْمِهِ، وَلَكِنْ أَدَعُ الْقِيَاسَ وَأَسْتَحْسِنُ أَنْ لَا يَقْضِيَ فِي ذَلِكَ بِعِلْمِهِ
وَحُكِيَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ فَقَالُوا: إنَّهُ يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْحُدُودِ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ عِنْدَنَا الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فِي الْحُدُودِ. قَالَ: ثُمَّ أَحْدَثَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلًا أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا أَيْضًا حِينَ رَأَوْا أَنَّهَا لَازِمَةٌ لَهُمْ. قَالَ الْحَافِظُ: كَذَا قَالَ فَجَرَى عَلَى عَادَتِهِ فِي التَّهْوِيلِ وَالْإِقْدَامِ عَلَى نَقْلِ الْإِجْمَاعِ مَعَ شُهْرَةِ الِاخْتِلَافِ. وَقَدْ حُكِيَ فِي الْبَحْرِ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ عَنْ الْعِتْرَةِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ. وَحُكِيَ الْمَنْعُ عَنْ شُرَيْحٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَإِسْحَاقَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَالْأَقْوَالُ فِي الْمَسْأَلَةِ فِيهَا طُولٌ قَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ وَشُرَّاحُ كِتَابِهِ بَعْضًا مِنْهَا فِي بَابِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَبَعْضًا فِي بَابِ مَنْ رَأَى لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ
وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي الْبَابَيْنِ أَحَادِيثَ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ وَهِيَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ عَنْ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَقْصُودِ، وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ، فَإِنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ وُقُوعِ الْإِخْبَارِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا وَقَعَ بِهِ الرِّضَا مِنْ الطَّالِبِينَ لِلْقَوَدِ وَإِنْ كَانَ الِاحْتِجَاجُ بِعَدَمِ الْقَضَاءِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمْ بِمَا رَضُوا بِهِ الْمَرَّةَ الْأُولَى فَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُطَالِبٌ لَهُ بِالْحُكْمِ عَلَيْهِمْ. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ جَابِرٍ الْمَذْكُورُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِوَجْهٍ. وَغَايَةُ مَا فِيهِ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْقَتْلِ لِمَنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ مِنْ الصَّحَابَةِ لِئَلَّا يَقُولَ النَّاسُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ، وَالْإِخْبَارُ لَلْحَاضِرِينَ بِمَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِ الْخَوَارِجِ وَتَرْكِ أَخْذِهِمْ بِذَلِكَ لِتِلْكَ الْعِلَّةِ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَلَى الْجَوَازِ حَدِيثُ هِنْدٍ زَوْجَةِ أَبِي سُفْيَانَ لَمَّا أَذِنَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ تَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: احْتَجَّ مَنْ أَجَازَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَضَى لَهَا وَلِوَلَدِهَا بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهَا زَوْجَةُ أَبِي سُفْيَانَ وَلَمْ يَلْتَمِسْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْفُتْيَا، وَكَلَامُ الْمُفْتِي يَتَنَزَّلُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ كَلَامِ الْمُسْتَفْتِي اهـ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ مَحَلَّ الدَّلِيلِ إنَّمَا هُوَ عَمَلُهُ بِعِلْمِهِ أَنَّهَا زَوْجَةُ أَبِي سُفْيَانَ فَكَيْفَ صَحَّ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute