. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ. قَوْلُهُ: (أَنَّ أَعْرَابِيًّا) فِي رِوَايَةٍ جَاءَ رَجُلٌ " زَادَ أَبُو دَاوُد " مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ " وَكَذَا فِي مُسْلِمٍ وَالْمُوَطَّإِ. قَوْلُهُ: (ثَائِرَ الرَّأْسِ) هُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى الْوَصْفِ عَلَى رِوَايَةِ " جَاءَ رَجُلٌ " وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ شَعْرَهُ مُتَفَرِّقٌ مِنْ تَرْكِ الرَّفَاهِيَةِ، فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى قُرْبِ عَهْدِهِ بِالْوِفَادَةِ، وَأُوقِعُ اسْمُ الرَّأْسِ عَلَى الشَّعْرِ إمَّا مُبَالَغَةً، أَوْ؛ لِأَنَّ الشَّعْرَ مِنْهُ يَنْبُتُ.
قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ) بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَالْوَاوِ وَأَصْلُهُ تَتَطَوَّعُ بِتَاءَيْنِ فَأُدْغِمَتْ إحْدَاهُمَا وَيَجُوز تَخْفِيفُ الطَّاءِ عَلَى حَذْفِ إحْدَاهُمَا. قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِي أَكْرَمَكَ) وَفِي رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عِنْد الْبُخَارِيِّ " وَاَللَّهِ ". قَوْلُهُ (: أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ) وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ " أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إنْ صَدَقَ، أَوْ دَخَلَ الْجَنَّة وَأَبِيهِ إنْ صَدَقَ " وَلِأَبِي دَاوُد مِثْلُهُ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْجَامِعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنْ الْحَلِفِ بِالْآبَاءِ؟ .
أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ، أَوْ بِأَنَّهَا كَلِمَةٌ جَارِيَةُ عَلَى اللِّسَانِ لَا يُقْصَدُ بِهَا الْحَلِفُ، أَوْ فِيهِ إضْمَارُ اسْمِ الرَّبِّ كَأَنَّهُ قَالَ: وَرَبِّ أَبِيهِ، أَوْ أَنَّهُ خَاصٌّ وَيَحْتَاج إلَى دَلِيلٍ. وَحَكَى السُّهَيْلِيُّ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ تَصْحِيفٌ وَإِنَّمَا كَانَ وَاَللَّهِ فَقُصِرَتْ اللَّامَانِ، وَاسْتَنْكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَغَفَلَ الْقَرَافِيُّ فَادَّعَى أَنَّ الرِّوَايَةَ بِلَفْظِ (وَأَبِيهِ) لَمْ تَصِحّ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْتَضِ الْجَوَابَ فَعَدَلَ إلَى رَدِّ الْخَبَرِ وَهُوَ صَحِيحٌ لَا مِرْيَةَ فِيهِ. قَالَ الْحَافِظُ: وَأَقْوَى الْأَجْوِبَةِ الْأَوَّلَانِ. وَالْحَدِيثُ يَدُلّ عَلَى فَرْضِيَّةِ الصَّلَاةِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا عَلَى الْعِبَادِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِيهِ مُسْتَدَلٌّ لِمَنْ لَمْ يُوجِبُ صَلَاةَ الْوِتْرِ وَلَا صَلَاةَ الْعِيدِ انْتَهَى.
وَقَدْ أَوْجَبَ قَوْمٌ الْوِتْرَ، وَآخَرُونَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَآخَرُونَ صَلَاةَ الضُّحَى، وَآخَرُونَ صَلَاةَ الْعِيدِ، وَآخَرُونَ رَكْعَتَيْ الْمَغْرِبِ، وَآخَرُونَ صَلَاةَ التَّحِيَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُوجِبْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَجَعَلَ هَذَا الْحَدِيثَ صَارِفًا لِمَا وَرَدَ بَعْدَهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُشْعِرَةِ بِالْوُجُوبِ.
وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ صَوْمِ عَاشُورَاءَ وَهُوَ إجْمَاعٌ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ.
وَفِي جَعْلِ هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ مَا ذُكِرَ نَظَرٌ عِنْدِي؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ فِي مَبَادِئِ التَّعْلِيمِ لَا يَصِحُّ التَّعَلُّقُ بِهِ فِي صَرْفِ مَا وَرَدَ بَعْدَهُ وَإِلَّا لَزِمَ قَصْرُ وَاجِبَاتِ الشَّرِيعَةِ بِأَسْرِهَا عَلَى الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنَّهُ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ وَإِبْطَالٌ لِجُمْهُورِ الشَّرِيعَةِ، فَالْحَقُّ أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِالدَّلِيلِ الْمُتَأَخِّرِ إذَا وَرَدَ مَوْرِدًا صَحِيحًا وَيُعْمَل بِمَا يَقْتَضِيهِ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ نَدَبٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ، وَهَذَا أَرْجَحُ الْقَوْلَيْنِ، وَالْبَحْثُ مِمَّا يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْحَقِّ أَنْ يُمْعِنَ النَّظَرَ فِيهِ وَيُطِيلَ التَّدَبُّرَ، فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الْحَقِّ فِيهِ مِنْ أَهَمِّ الْمُطَالَبِ الْعِلْمِيَّة لِمَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْبَالِغَةِ إلَى حَدٍّ يَقْصُرُ عَنْهُ الْعَدُّ.
وَقَدْ أَعَانَ اللَّهُ وَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى جَمْعِ رِسَالَةٍ فِي خُصُوصِ هَذَا الْمَبْحَثِ، وَقَدْ أَشَرْتُ إلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي عِدَّةِ مَبَاحِثَ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ وَهَذَا مَوْضِعٌ عَرَضَ ذِكْرُهَا فِيهِ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute