. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
هَذَا الِاسْمِ عَلَيْهِ هُوَ الصَّلَاةُ، فَتَرْكُهَا مُقْتَضٍ لِجَوَازِ الْإِطْلَاقِ، وَلَا يَلْزَمُنَا شَيْءٌ مِنْ الْمُعَارَضَاتِ الَّتِي أَوْرَدَهَا الْأَوَّلُونَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ غَيْرَ مَانِعٍ مِنْ الْمَغْفِرَةِ وَاسْتِحْقَاقِ الشَّفَاعَةِ، كَكُفْرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِبَعْضِ الذُّنُوبِ الَّتِي سَمَّاهَا الشَّارِعُ كُفْرًا، فَلَا مُلْجِئَ إلَى التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي وَقَعَ النَّاسُ فِي مَضِيقِهَا وَأَمَّا أَنَّهُ يُقْتَلُ فَلِأَنَّ حَدِيثَ «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ» يَقْضِي بِوُجُوبِ الْقَتْلِ لِاسْتِلْزَامِ الْمُقَاتَلَةِ لَهُ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ، وَلَا أَوْضَحَ مِنْ دَلَالَتهَا عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَقَدْ شَرَطَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ التَّخْلِيَةَ بِالتَّوْبَةِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، فَقَالَ: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: ٥] ، فَلَا يُخَلَّى مَنْ لَمْ يُقِمْ الصَّلَاةَ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ بَرِئَ عُنُقُهُ، وَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ، فَقَالُوا: أَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: لَا مَا صَلَّوْا» فَجَعَلَ الصَّلَاةَ هِيَ الْمَانِعَةُ مِنْ مُقَاتَلَةِ أُمَرَاءِ الْجَوْرِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لَخَالِدٍ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ: (لَعَلَّهُ يُصَلِّي) فَجَعَلَ الْمَانِعَ مِنْ الْقَتْلِ نَفْسَ الصَّلَاةِ. وَحَدِيثُ «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ» لَا يُعَارِضُ مَفْهُومُهُ الْمَنْطُوقَاتِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ كُفْرِهِ كَوْنُهُ لَمْ يَتْرُكْ الصَّلَاةَ، فَإِنْ تَرَكَهَا لَمْ يَبْقَ بَيْنه وَبَيْنَ الْكُفْر حَائِلٌ.
وَفِي لَفْظ لَمُسْلِم: «بَيْنَ الرَّجُل وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» وَمِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْكُفْرِ حَدِيثُ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ كَفَرَ جِهَارًا» ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ. وَقَالَ: سُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْهُ فَقَالَ: رَوَاهُ أَبُو النَّضْرِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ الرَّبِيعِ مَوْصُولًا وَخَالَفَهُ عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِيِّ فَرَوَاهُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ الرَّبِيعِ مُرْسَلًا وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ. وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِدُونِ قَوْلِهِ (جِهَارًا) وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «تَارِكُ الصَّلَاةِ كَافِرٌ» وَاسْتَنْكَرَهُ. وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَفِيهِ عَطِيَّةُ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى وَهُمَا ضَعِيفَانِ. قَالَ الْعِرَاقِيُّ: لَمْ يَصِحَّ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ إلَّا حَدِيثُ جَابِرٍ الْمَذْكُورُ، وَحَدِيثَ بُرَيْدَةَ الَّذِي سَيَأْتِي. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ «أَوْصَانِي خَلِيلِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا تُشْرِكْ بِاَللَّهِ وَإِنْ قُطِعْتَ وَحُرِّقْتَ، وَأَنْ لَا تَتْرُك صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا، فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، وَلَا تَشْرَبْ الْخَمْرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ» قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ. وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَك، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَفِيهِ انْقِطَاعٌ. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَمِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ بْنِ جَبَلٍ وَإِسْنَادُهُمَا ضَعِيفَانِ. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ: إنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ. وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ قَتْلِ تَارِكِ الصَّلَاةِ، فَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُضْرَبُ عُنُقُهُ بِالسَّيْفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute