للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤٢٤ - (وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَبْرِدْ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ: أَبْرِدْ حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

بَابُ أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَآخِرِهِ فِي الِاخْتِيَارِ وَالضَّرُورَةِ قَدْ سَبَقَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ فِي بَابِ وَقْتِ الظُّهْرِ.

ــ

[نيل الأوطار]

وَأَكُفِّنَا فَلَمْ يُشْكِنَا أَيْ لَمْ يَعْذُرْنَا وَلَمْ يُزِلْ شَكْوَانَا» وَزَادَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْبَيْهَقِيُّ " وَقَالَ: إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فَصَلُّوا " وَتَأَوَّلُوا حَدِيثَ الْإِبْرَادِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ صَلُّوا أَوَّلَ الْوَقْتِ أَخْذًا مِنْ بَرْدِ النَّهَارِ وَهُوَ أَوَّلُهُ وَهُوَ تَعَسُّفٌ يَرُدُّهُ قَوْلُهُ: " فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ " وَقَوْلُهُ: " فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ " وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ بِتَعْجِيلِ الظُّهْرِ وَأَفْضَلِيَّةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ عَامَّةٌ أَوْ مُطْلَقَةٌ، وَحَدِيثُ الْإِبْرَادِ خَاصٌّ أَوْ مُقَيَّدٌ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ عَامٍّ وَخَاصٍّ وَلَا بَيْنَ مُطْلَقٍ وَمُقَيَّدٍ.

وَأُجِيبُ عَنْ حَدِيثِ خَبَّابُ بِأَنَّهُ كَمَا قَالَ الْأَثْرَمُ وَالطَّحَاوِيُّ مَنْسُوخٌ، قَالَ الطَّحَاوِيَّ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ «كُنَّا نُصَلِّي بِالْهَاجِرَةِ فَقَالَ: لَنَا أَبْرِدُوا» فَبَيَّنَ أَنَّ الْإِبْرَادَ كَانَ بَعْدَ التَّهْجِيرِ، وَقَالَ آخَرُونَ: إنَّ حَدِيثَ خَبَّابُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ طَلَبُوا تَأْخِيرًا زَائِدًا عَلَى قَدْرِ الْإِبْرَادِ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَادَ أَنْ يُؤَخِّرَ بِحَيْثُ يَصِيرُ لِلْحِيطَانِ فَيْءٌ فِيهِ وَيَتَنَاقَصُ الْحَرُّ. وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ الْإِبْرَادِ عَلَى مَا إذَا صَارَ الظِّلُّ فَيْئًا، وَحَدِيثُ خَبَّابُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْحَصَى لَمْ يَبْرُدْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْرُدُ حَتَّى تَصْفَرَّ الشَّمْسُ فَلِذَلِكَ رَخَّصَ فِي الْإِبْرَادِ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي التَّأْخِيرِ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَعَلَى فَرْضِ عَدَمِ إمْكَانِ الْجَمْعِ فَرِوَايَةُ الْخَلَّالِ السَّابِقَةُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بِلَفْظِ: «كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِبْرَادَ» ، وَقَدْ صَحَّحَ أَبُو حَاتِمٍ وَأَحْمَدُ حَدِيثَ الْمُغِيرَةِ، وَعَدَّهُ الْبُخَارِيُّ مَحْفُوظًا مِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى النَّسْخِ كَمَا قَالَهُ مَنْ قَدَّمْنَا، وَلَوْ نُسَلِّمُ جَهْلَ التَّارِيخِ وَعَدَمَ مَعْرِفَةِ الْمُتَأَخِّرِ لَكَانَتْ أَحَادِيثُ الْإِبْرَادِ أَرْجَحَ؛ لِأَنَّهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ بَلْ فِي جَمِيعِ الْأُمَّهَاتِ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَحَدِيثُ خَبَّابُ فِي مُسْلِمٍ فَقَطْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ مُقَدَّمٌ وَكَذَا مَا جَاءَ مِنْ طُرُقٍ.

٤٢٤ - (وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَبْرِدْ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ، فَقَالَ لَهُ: أَبْرِدْ حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . قَوْلُهُ: (فَيْءَ التُّلُولِ) قَالَ ابْن سَيِّدَهُ: الْفَيْءُ مَا كَانَ شَمْسًا فَنَسَخَهُ الظِّلُّ وَالْجَمْعُ أَفَيَاءٌ وَفُيُوءٌ، وَفَاءَ الْفَيْءَ فَيْئًا: تَحَوَّلَ، وَتَفَيَّأَ فِيهِ: تَظَلَّلَ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ يَتَوَهَّمُ النَّاسُ أَنَّ الظِّلَّ وَالْفَيْءَ بِمَعْنًى، وَلَيْسَ كَذَلِكَ: بَلْ الظِّلُّ يَكُونُ غَدْوَةً وَعَشِيَّةً وَمِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ، وَأَمَّا الْفَيْءُ فَلَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَا يُقَالُ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ، وَإِنَّمَا قِيلَ لِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ: فَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ ظِلٌّ فَاءَ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ أَيْ رَجَعَ، وَالْفَيْءُ: الرُّجُوعُ، وَنَسَبَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إلَى أَهْلِ اللُّغَةِ. وَالتُّلُولُ جَمْعُ تَلٍّ: وَهُوَ الرَّبْوَةُ مِنْ التُّرَابِ الْمُجْتَمِعِ، وَالْمُرَادُ

<<  <  ج: ص:  >  >>