. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[نيل الأوطار]
وَصُهَيْبٌ وَخَلْقٌ يَطُولُ ذِكْرُهُمْ وَقَالَ: أَدْرَكْت عِشْرِينَ وَمِائَةً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهُمْ مِنْ الْأَنْصَارِ فَلَا عِلَّةَ لِلْحَدِيثِ، لِأَنَّهُ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِدُونِ تَوْسِيطِ الصَّحَابَةِ مُرْسَلٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَهُوَ فِي حُكْمِ الْمُسْنَدِ وَعَلَى رِوَايَتِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ عَنْهُ مُسْنَدٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يُضَعِّفهُ فَمُتَابَعَةُ الْأَعْمَشِ إيَّاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ وَمُتَابَعَةُ شُعْبَةَ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ مِمَّا يُصَحِّحُ خَبَرَهُ، وَإِنْ خَالَفَاهُ فِي الْإِسْنَادِ وَأَرْسَلَا فَهِيَ مُخَالَفَةٌ غَيْرُ قَادِحَةٍ
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُثَنِّي الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ وَادَّعَى الْحَاكِمُ فِيهِ الِانْقِطَاعَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَلَكِنْ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ سَمِعْت بِلَالًا، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَبْرِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ شَيْخٍ يُقَالُ لَهُ الْحَفْصُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَهُوَ سَعْدٌ الْقَرَظُ قَالَ: أَذَّنَ بِلَالٌ حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَذَّنَ لِأَبِي بَكْرٍ فِي حَيَاتِهِ وَلَمْ يُؤَذِّنْ فِي زَمَانِ عُمَرَ، وَسُوَيْدِ بْنُ غَفَلَةَ هَاجَرَ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ أَنَّ بِلَالًا ذَهَبَ إلَى الشَّامِ فِي حَيَاةِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ بِهَا حَتَّى مَاتَ فَهُوَ مُرْسَلٌ، وَفِي إسْنَادِهِ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَهُوَ مُدَلِّسٌ
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ مِنْ طَرِيقِ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ مَثْنَى مَثْنَى، وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ قَالَ الْحَافِظُ: وَحَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ فِي تَثْنِيَةِ الْإِقَامَةِ مَشْهُورٌ عِنْدَ النَّسَائِيّ وَغَيْرِهِ انْتَهَى.
وَحَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَاقَهُ الْحَازِمِيُّ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَذَكَرَ فِيهِ الْإِقَامَةَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ عَلَى شَرْطِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ وَسَيَأْتِي مَا أَخْرَجَهُ عَنْهُ الْخَمْسَةُ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَهُ الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ» وَهُوَ حَدِيثٌ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَدِيثِ بِلَالٍ الَّذِي فِيهِ الْأَمْرُ بِإِيتَارِ الْإِقَامَةِ لِأَنَّهُ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ لِأَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ، وَبِلَالًا أُمِرَ بِإِفْرَادِ الْإِقَامَةِ أَوَّلَ مَا شُرِعَ الْأَذَانُ فَيَكُونُ نَاسِخًا
وَقَدْ رَوَى أَبُو الشَّيْخِ أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ بِمِنًى وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَمَّ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَأَقَامَ مِثْلَ ذَلِكَ، إذَا عَرَفْت هَذَا تَبَيَّنَ لَك أَنَّ أَحَادِيثَ تَثْنِيَةِ الْإِقَامَةِ صَالِحَةٌ لِلِاحْتِجَاجِ بِهَا لِمَا أَسْلَفْنَاهُ، وَأَحَادِيثُ إفْرَادِ الْإِقَامَةِ، وَإِنْ كَانَتْ أَصَحَّ مِنْهَا لِكَثْرَةِ طُرُقِهَا وَكَوْنِهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ لَكِنَّ أَحَادِيثَ التَّثْنِيَةِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الزِّيَادَةِ، فَالْمَصِيرُ إلَيْهَا لَازِمٌ لَا سِيَّمَا مَعَ تَأَخُّرِ تَارِيخِ بَعْضِهَا كَمَا عَرَّفْنَاك.
وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى جَوَازِ إفْرَادِ الْإِقَامَةِ وَتَثْنِيَتِهَا، قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَدَاوُد بْنُ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ إلَى إجَازَةِ الْقَوْلِ بِكُلِّ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ، وَحَمَلُوهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالتَّخْيِيرِ، قَالُوا: كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمِيعُ ذَلِكَ وَعَمِلَ بِهِ أَصْحَابُهُ فَمَنْ شَاءَ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ أَرْبَعًا فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ وَمَنْ شَاءَ ثَنَّى الْإِقَامَةَ وَمَنْ شَاءَ أَفْرَدَهَا إلَّا قَوْلَهُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ فَإِنَّ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute